متجاوزة حدود “المستطيل الأخضر”، يُمثل احتضان المملكة المغربية نهائيات كأس أمم إفريقيا “كان 2025″ محطة استراتيجية تتجاوز أبعادها الرياضية لتشكل محركا اقتصاديا قويا و”مختبرا” حقيقيا للمقاولات المغربية بكل فئاتها وأصناف نشاطها.
وعلى ذلك يراهن الخبراء الاقتصاديون والفاعلون المهنيون لضخ دماء جديدة في النسيج المقاولاتي الوطني؛ فبين الطموح الماكرو-اقتصادي والاحتياجات الميدانية للمقاولات الصغرى (المشكّلة للسواد الأغلب من النسيج المقاولاتي الوطني في المملكة)، بدأت رؤية متكاملة في التشكّل حول “كيفية استثمار هذا الحدث لتحقيق تنمية مستدامة و”نهضة” بعد كبوات أزمات متلاحقة.
أكد إدريس العلاوي، محلل اقتصادي مختص في الشأن المقاولاتي، أن “قطاع الخدمات سيكون المستفيد الأكبر من هذا الرواج”.
ومع رواج كبير رصدته كاميرا هسبريس في قطاعات الفندقة والمطاعم خلال الأسبوع الأول من فعاليات “كان المغرب-2025″، توقع العلاوي، ضمن حديث لهسبريس، “زيادة في رقم معاملات المقاولات الفندقية بنسبة تتراوح بين 20 و40%، بينما قد تسجل المطاعم والمقاهي نموا بين 15% و20%”.
من جانبه، شدد رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، عبد الله الفركي، على أن “هذا الرواج سيمس أيضا دور الضيافة والمقاولات الصغرى التي تقدم خدمات الإرشاد السياحي”.
أما في قطاعات النقل واللوجستيك، فأشار العلاوي إلى أن “كأس إفريقيا لكرة القدم” سيسرّع أداء منظومة النقل الجوي، “حيث يتوقع زيادة بنسبة 13% في حركة الطيران”. وفي المقابل، يرى الفركي فرصة كبيرة “لشركات النقل الصغيرة والمحلية لتأمين تنقل آلاف المشجعين بين الملاعب والمدن ومناطق أخرى قصد الزيارة أو الاستجمام”.
وينتظر أن يصل مفعول إيجابي للعرس القاري الكروي إلى مقاولات الصناعة التقليدية. وتمثل التظاهرة “فرصة ذهبية للمقاولات الحرفية، حيث يزداد الطلب على الملابس التقليدية والمصنوعات اليدوية كهدايا تذكارية للزوار”، بحسب ما أكده المصرحان لهسبريس.
في تصريحه لجريدة هسبريس، اعتبر عبد الله الفركي أن تنظيم “الكان” هو “طوق نجاة” للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة بعد سلسلة من الأزمات المرتبطة والمتلاحقة بـ”كوفيد-19 والتضخم والجفاف”.
ينعكس ذلك أساسا في “تعزيز الطلب المحلي”؛ لأن “جلب آلاف الزوار يرفع الطلب المباشر على منتجات المقاولات الصغرى في مجالات التغذية، الهدايا، والخدمات الرقمية…”، يورد الفاعل المهني عينه، مبرزا “فرص الاستثمار والعقود؛ إذ يتيح الحدث للمقاولات الصغرى فرصة الولوج إلى عقود محلية في قطاعات البناء، الصيانة والتموين”.
وفي مجالات التكنولوجيا والإبداع، يَبرز “طلب متزايد” على خدمات الإنترنت، تطبيقات حجز التذاكر وتنظيم الفعاليات الثقافية الموازية، وهي مجالات تنشط فيها المقاولات الناشئة والصغرى بالمملكة.
ممتدا ليشمل الأثر الهيكلي بعيد المدى، يعزز الحدثُ الرياضي، وفق إدريس العلاوي، مكانة المطار الدولي للدار البيضاء كمركز لوجستي يستحوذ على أكثر من ثلث (33.7%) الحركة الجوية.
كما أشار إلى ما وصفها “بناء الهوية التجارية: تمنح البطولة للمقاولات المغربية منصة لعرض جودة خدماتها أمام جمهور دولي، مما يساهم في بناء علامة تجارية قوية”.
إجمالا، يرى المحلل الاقتصادي المتابع للمشهد المقاولاتي المغربي أن عام 2025 يمثل “بْرُوفة حقيقية وتحديا لتحويل الذروة السياحية إلى مسار مستدام يخدم طموحات المغرب المستقبلية”.
في المقابل، رغم الفرص الواعدة، نبّه عبد الله الفركي إلى “تحديات قد تعيق استفادة المقاولات الصغرى”، لخصَ أبرزها في “المنافسة والهيمنة” حيث تواجه المقاولات الصغرى “منافسة شرسة من الشركات الكبرى التي قد تستحوذ على أغلب الطلبيات”، بتعبيره.
وزاد مستدركا بـ”مشاكل التمويل والأداء”؛ حيث تطالب المقاولات الصغرى الأبناك بتوفير “قروض ميسرة ومواكبة مالية، كما شدد على ضرورة حل معضلة “تأخر الأداء” في “عقود المناولة” التي تربط الشركات الكبرى بالصغرى.
واقترح المتحدث “إحداث مناطق مخصصة لعرض المنتجات المحلية بجانب الملاعب لتشجيع الرواج التجاري للمقاولات الصغرى”.
إجمالا، فالرؤية الجامعة بين الاقتصاد الكلي مع الواقع المهني تخلص إلى أن “كان 2025” هو بوابة لتحقيق طموح مالي يتجاوز 125 مليار درهم كمداخيل سياحية”، إلا أن نجاح هذه الدينامية رهين بمدى قدرة السياسات الحكومية والمؤسسات المالية على ضمان إدماج حقيقي للمقاولات الصغرى والمتوسطة في سلاسل القيمة المرتبطة بهذا الحدث القاري، وفق ما استقته هسبريس.
المصدر:
هسبريس