في إطار الاستعدادات للاستحقاقات الانتخابية المقبلة أطلقت النسخة الحادية عشرة من “صندوق الدعم المخصص لتشجيع تمثيلية النساء”، بدفتر تحملات يضع التكوين والتحسيس والترافع في صلب أهدافه لضمان حضور نسائي وازن. ورغم أن هذا الصندوق، الذي جاء استجابة لتوجيهات ملكية منذ سنة 2008، يُعد آلية محورية لتعزيز المشاركة السياسية، إلا أن النقاش الحقوقي والمدني اليوم يتجاوز مجرد الدعم المالي ليشمل فاعلية المشاريع في إحداث تغيير نوعي ومستدام.
وبينما تدعو الفعاليات النسائية، كفدرالية رابطة حقوق النساء، إلى تحويل هذه الآلية إلى “صندوق للمناصفة” تماشياً مع الدستور، وإخراج “هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز” إلى حيز الوجود، تطرح جمعيات المجتمع المدني أسئلة جوهرية حول مدى نجاعة التمويلات المرصودة في بناء قيادات نسائية مستقلة، خاصة في العالم القروي والغرف المهنية التي مازالت تشهد ضعفاً واضحاً في التمثيلية.
وفي هذا الإطار أكدت لطيفة بوشوى، عضو فيدرالية رابطة حقوق النساء، أن التعديلات الجديدة التي عرفها الصندوق تعزز أسس المشاركة السياسية للنساء وتمثيليتهن، خاصة لفائدة الجمعيات والأحزاب التي تشتغل على تأطير النساء بمختلف الجهات والمجالات.
وأوضحت بوشوى، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذه الآلية تتيح دعماً متنوعاً يشمل التحسيس، وتقوية القدرات، والتعبئة النسائية الشاملة، بما يضمن الحضور والظهور والمشاركة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية؛ ورغم وجود تحديات شددت على ضرورة تعزيز هذه الآلية وتوسيع أثرها.
وأضافت المتحدثة ذاتها أن الصندوق يشمل مختلف الاستحقاقات الانتخابية، بما فيها انتخابات الغرف المهنية، إذ يُسجَّل ضعف واضح في التمثيلية النسائية، واعتبرت أن معالجة هذا الخلل تقتضي مشاريع موجهة تستهدف إشراك النساء منذ المراحل الأولى للعملية الانتخابية، في الإطارات النقابيّة واللجان الثنائية وغيرها، لضمان تمثيلهن داخل الغرف المهنية وبالتالي في الهيئات المنتخبة وفي مجلس المستشارين.
وأعربت الفاعلة النسائية نفسها عن أملها في أن يتحول هذا الصندوق مستقبلاً إلى “صندوق للمناصفة”، انسجاماً مع مبدأي المناصفة والمساواة المنصوص عليهما في دستور 2011، وبعد مرور أكثر من عقد على إقراره، ودعت إلى الانتقال من منطق التمثيلية النسائية المحدودة إلى منطق المناصفة الفعلية؛ كما شددت على ضرورة تعميم الاستفادة وطنياً، للهيئات والجمعيات الجادة في الأقاليم والجهات، حتى وإن كانت فروعاً، خصوصا التي تتوفر على الاستقلال التدبيري والمالي، مع احترام ضوابط إدارة المشاريع وضمان تغطية ترابية عادلة تشمل مختلف المناطق.
وفي ما يخص آفاق العمل دعت بوشوى كذلك إلى تفعيل هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، التي من شأنها اقتراح سبل معالجة العوائق والاختلالات المرصودة في مجال التمثيلية السياسية للنساء والمناصفة، وأكدت على مطالبة الفيدرالية بتشكيلها في أقرب الآجال وفقا لمبادئ باريس، على غرار المؤسسات الدستورية.
وبخصوص المنظومة التشريعية أشارت المتحدثة إلى أن بعض القوانين الانتخابية وقوانين الأحزاب حملت مستجدات إيجابية، خاصة في ما يتعلق بمشاركة النساء والشباب وتجديد النخب، إلى جانب تمثيلية الجالية المغربية، وذكّرت بأن الفيدرالية قدمت مذكرة تتضمن مقترحات تدعو إلى تكريس المناصفة الأفقية والعمودية في النسب وفي الترشيح وفي اللوائح الانتخابية، بما فيها لوائح البرلمان بغرفتيه والجهات والأقاليم والجماعات…
وأكدت الفاعلة المدنية ذاتها على أهمية تشجيع مشاركة نساء الجالية المغربية، عبر رفع العوائق أمام تسجيلهن وترشيحهن، وتفعيل إجراءات التحفيز داخل الأحزاب، ونبهت في المقابل إلى غياب ترتيبات زجرية تجاه الأحزاب والهيئات التي لا تحترم مقتضيات القوانين المتعلقة بالتمثيلية النسائية في الهياكل وفي الاستحقاقات.
ولفتت بوشوى إلى الدور المحوري للإعلام وتغيير العقليات، معتبرة أن التمثيلية النسائية تهم جميع مراحل العملية الانتخابية، من التسجيل إلى الترشيح، مروراً بالمشاركة والتدبير داخل المجالس ومكاتب التصويت؛ كما أوردت أن ورش تغيير العقليات هو الأساس، مستشهدة بنماذج نجاح النساء في مجالات متعددة، من الرياضة إلى الأوراش المجتمعية الكبرى، بما يؤكد أن مشاركتهن يجب أن تكون شاملة ومنصفة بشكل يعزز حضورهن في مختلف المجالات دون حصر أو تمييز، ويعترف بأدوارهن التنموية والإشعاعية الرائدة داخل الوطن وخارجه.
من جانبها قالت ليلى أميلي، رئيسة جمعية أيادي حرة، إن اعتماد آلية صندوق الدعم المخصص لتشجيع تمثيلية النساء يشكّل، من حيث المبدأ، توجهاً إيجابياً لتعزيز المشاركة السياسية للنساء، خاصة إذا استُحضر أن إحداث هذا الصندوق جاء استجابة لتوجيهات ملكية واضحة سنة 2008، أكدت ضرورة تحقيق تمثيلية منصفة للنساء داخل المجالس المنتخبة.
وزادت أميلي ضمن تصريح لهسبريس أن “السؤال الجوهري المطروح اليوم، بعد مرور نحو 15 سنة على إطلاق هذا الصندوق وتمويله أزيد من 690 مشروعاً، يتمثل في مدى نجاح هذه الآلية في إحداث تحول نوعي ومستدام في واقع التمثيلية النسائية”، متسائلة: “هل نحن أمام تراكم كمي للأنشطة أم أمام تغيير فعلي في موازين المشاركة وصنع القرار؟”.
وترى المتحدثة أن رفع ميزانية النسخة الحادية عشرة إلى 20 مليون درهم يُعد مؤشراً مهماً وإيجابياً، غير أن تقييم هذه الخطوة لا ينبغي أن يقتصر على حجم التمويل، بل يجب أن يشمل أيضاً مدى نجاعة المشاريع الممولة وقدرتها على تجاوز منطق الدورات التكوينية الظرفية، نحو بناء قيادات نسائية مستقلة وقادرة على التأثير والترافع وصنع القرار داخل المؤسسات المنتخبة.
كما تشير الفاعلة المدنية نفسها إلى أن تركيز دفتر التحملات على المنتخبات الحاليات، رغم أهميته، يطرح إشكالية إغفال فئات واسعة من النساء، خصوصاً في العالم القروي والمجالات الهامشية؛ فهناك نساء مازلن يواجهن عوائق ثقافية واقتصادية واجتماعية تحول دون ولوجهن إلى الفعل السياسي، وهو ما يبرز الحاجة إلى ربط التمكين السياسي بالتمكين الاقتصادي والاجتماعي، بدل التعاطي معه كملف تقني معزول.
ومن جهة أخرى تؤكد المصرحة أن إشراك الجمعيات والأحزاب السياسية يجب أن يظل رهيناً باحترام مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للدعم، مع ضرورة إخضاع المشاريع السابقة لتقييم مستقل وجدي، وربط التمويل بالأثر الحقيقي على أرض الواقع.
وتخلص أميلي إلى أن هذا الصندوق، رغم أهميته، يظل أداة وليس غاية في حد ذاته؛ فالنجاح الحقيقي يمر عبر توفر إرادة سياسية واضحة، وإصلاحات قانونية عميقة، وتغيير ثقافي طويل النفس، يجعل من مشاركة النساء في الشأن العام حقاً فعلياً وممارسة دائمة، لا مجرد استجابة ظرفية لمواعيد انتخابية.
المصدر:
هسبريس