اعتبر عبد الرحيم بوعيدة، الأستاذ الجامعي والفاعل السياسي، أن المرحلة التاريخية الفاصلة التي يعيشها المغرب بعد القرار الأممي الأخير، تقتضي طرح الأسئلة الصعبة أكثر من تقديم الأجوبة الجاهزة، داعياً إلى ضرورة “إغلاق القوس” الذي امتد لخمسين سنة عبر التفكير الجدي في طبيعة الحكم الذاتي.
وشدد بوعيدة خلال مشاركته في لقاء نظمته مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد يوم الثلاثاء 16 دجنبر 2025 حول رهانات الحكم الذاتي،على أن “التوجس” في هذه اللحظة يعد ظاهرة صحية تدفع لمساءلة الفرح العارم نفسه، لأن القضية لم تنته بصفة نهائية بل بدأت مسيرة أخرى تتطلب اليقظة والحذر والقطع مع الأفكار المسبقة ولغة “التخوين” التي قد تواجه كل من يتحدث بجرأة أو يطرح أسئلة قد تبدو للبعض “مزعجة”.
وجزم المتحدث ذاته، بأنه “لا يوجد خبير في قضية الصحراء”، وأن وجد فأهل مكة أدرى بشعابها، مبرزاً أن فهم ميكانيزمات المنطقة وهويتها السوسيولوجية والثقافية وطريقة تفكير أهلها، هو المفتاح الحقيقي للحل، ومؤكداً أن هذا الفهم لو حصل في سنوات بعيدة لما حدث المشكل أصلاً، مما يفرض اليوم تهذيب الخطاب وتغيير العقليات للارتقاء بالنقاش إلى مستوى الفهم الحقيقي، والتعامل بتفهم وتعقل لفك رموز ما يريده المغاربة من هذا الخيار.
وأوضح بوعيدة أن الخيار المطروح اليوم قد يفتح مجالا كبيرا أمام “دمقرطة الوطن كله”، مشيراً إلى أن الديمقراطية التي تليق بهذا الوطن العريق قد تأتي من الجنوب، لتغير مفاهيم كثيرة داخل طبيعة الدولة وتركيبتها، خاصة أن تفاصيل الحكم الذاتي الحقيقية لا تزال غير معروفة، وهو ما يستوجب مناقشة الإشكالات التي ستواجه التنزيل بكل تروٍ وحرية، واستحضار “اللاءات” التي رفعت تاريخياً، لأن الاستماع لمن يقول “لا” في السياسات العمومية والملفات الكبرى قد يساعد على فك شفرات كثيرة ظلت عالقة.
وتساءل الأستاذ الجامعي عن طبيعة النخبة التي ستقود المرحلة المقبلة، وكيفية المزج بين الثقافات المختلفة، والتعامل مع الإخوة الموجودين في مخيمات تندوف والساكنة الحالية فوق الصحراء المغربية، منبهاً إلى أن المجتمع الصحراوي “مجتمع معقد” يجب أن ينتقل من الفكر المبني على التصورات القبلية الضيقة التي أضاعت الكثير من السنوات، إلى مجتمع مدني يتفاعل ويرتقي إلى روح المواطنة، بعيداً عن احتكار المجال أو ادعاء امتلاك الحقيقة، لأن “الرجلة لا تُحسد” والمجال مفتوح للجميع للمساهمة في بناء مغرب موحد.
وخلص الفاعل السياسي في مداخلته إلى التأكيد على أن الجميع، رغم اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، يلتقون عند نقطة واحدة هي الرغبة في إنهاء هذا النزاع للخروج من المأزق التاريخي والتفرغ لرهانات التنمية، داعياً المثقفين إلى الانفصال عن النقاش الضيق وعدم لوم الآخرين إذا لم يبادروا هم لتأطير النقاش الديمقراطي الذي يغري الطرف الآخر، ويضمن الكرامة والحرية للشباب والنساء داخل مجتمع ديمقراطي حقيقي.
المصدر:
العمق