دشنت المملكة المغربية، مساء أمس الأحد، مرحلة جني عوائد استثماراتها الضخمة في البنى التحتية، تزامنا مع انطلاق منافسات كأس الأمم الإفريقية 2025 التي واجه فيها المنتخب المغربي نظيره من جزر القمر في الافتتاح، وسط تقديرات بأن يتجاوز إنفاق الجماهير مليار دولار، في وقت خصصت فيه البلاد ما يناهز 150 مليار درهم (16.3 مليار دولار) للاستعداد لهذا الحدث القاري ولتنظيم كأس العالم 2030.
وأكد الوزير المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أن مشاريع البنية التحتية المنجزة لكأس الأمم الإفريقية ستدعم بشكل مباشر استعدادات البلاد لكأس العالم، موضحا أن الحكومة صممت هذه الاستثمارات كجزء من استراتيجية مستمرة، مع الحرص على عدم تحميل الميزانية العامة أعباء إضافية عبر اعتماد “آليات تمويل مبتكرة ومقاربة قائمة على الشراكات”، مشيرا إلى تخصيص ملياري دولار لتأهيل الملاعب.
وشدد رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، في تصريحات سابقة، على أن الكرة تجاوزت كونها مجرد مباريات لتصبح “رافعة تنموية واجتماعية”، مبرزا أن تنظيم البطولة يتيح فرص عمل مباشرة لما بين 20 ألف و25 ألف شاب، ما يعزز كفاءاتهم ويطور قدراتهم، حيث يكمن الإرث الحقيقي لهذه التظاهرة في تنمية الرأسمال البشري وفتح آفاق جديدة للاستثمار.
وتفيد التقديرات بأن استضافة المغرب للحدث ستنعكس إيجابا على السياحة، إذ يتوقع استقبال ما بين 500 ألف ومليون زائر أجنبي إضافي، ما قد يضخ إنفاقا يتراوح بين 450 مليون دولار و1.2 مليار دولار في الاقتصاد المحلي، خاصة في قطاعات الإيواء والمطاعم والنقل، فضلا عن حصة مرتقبة من عوائد الاتحاد الإفريقي تصل إلى 22.5 مليون دولار، تمثل نسبة 20% من عائدات البث والرعاية.
وكشفت توقعات موازنة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) أن الدورة الحالية ستكون الأكثر ربحية، بإيرادات إجمالية منتظرة تبلغ 192.6 مليون دولار وصافي ربح يصل إلى 113.8 مليون دولار، مدفوعة بالرعايات وحقوق البث، في حين أعلن فيرون موسينغو أومبا، الأمين العام للاتحاد، تجاوز مبيعات التذاكر مليون تذكرة، مع اتساع رقعة البث التلفزيوني لتشمل 30 دولة أوروبية و54 دولة إفريقية.
وأعلن باتريس موتسيبي، رئيس الاتحاد الإفريقي، قبيل انطلاق المنافسات، زيادة قيمة الجائزة المالية للبطل لتصل إلى 10 ملايين دولار، معتبرا أن هذا القرار سيساهم في أخذ كرة القدم الإفريقية إلى الأمام، بينما سيحصل الوصيف على أربعة ملايين دولار، والمنهزمون في نصف النهائي على 2.5 مليون دولار، والمنتخبات المغادرة من ربع النهائي على 1.3 مليون دولار.
ويرتقب أن ينعكس تنظيم هذه التظاهرة بشكل مباشر على قطاعات السياحة، النقل، الخدمات، والصناعة التقليدية، التي تتأهب لاستقبال توافد الجماهير والزوار، مما يفتح النقاش حول حجم العوائد المالية المتوقعة والأثر الاقتصادي الملموس لهذه البطولة على ميزانية الدولة والنشاط التجاري العام في ظل الظرفية الاقتصادية الراهنة.
وفي هذا الصدد، أوضح الخبير والمحلل الاقتصادي، محمد جدري، في تصريح لجريدة “العمق”، أن الآثار الاقتصادية لتنظيم الكان ستكون إيجابية وملموسة سواء على المدى القصير أو المتوسط. وأكد جدري أن توافد الجماهير والمشجعين من الدول الإفريقية وغيرها نحو المملكة، وتحديداً صوب المدن الست المستضيفة (طنجة، فاس، الرباط، الدار البيضاء، مراكش، وأكادير)، سيخلق رواجا تجاريا استثنائيا.
وأبرز المتحدث ذاته أن هؤلاء الزوار سيستهلكون حزمة واسعة من السلع والخدمات، بدءا من خدمات التنقل (طائرات، قطارات، سيارات أجرة)، مرورا بقطاع الضيافة (فنادق ومطاعم)، وصولا إلى خدمات الاتصال والفعاليات الموازية، فضلاً عن انتعاش الصناعة التقليدية. وأشار جدري إلى أن هذه الحركة الدؤوبة ستساهم في خلق “القيمة المضافة” وتوفير مناصب شغل، ولو كانت بصفة مؤقتة، خلال فترة البطولة.
على المستوى الاستراتيجي، اعتبر جدري أن كأس إفريقيا للأمم تمثل “بروفة” حقيقية لتنظيم كأس العالم 2030، مشددا على الدور “الإشعاعي” للبطولة. فالمشاهدون الذين سيتابعون المباريات عبر العالم سيكتشفون المؤهلات المغربية، مما سيحفزهم لزيارة المملكة في فترات لاحقة، وتحديداً في النصف الثاني من سنة 2026 وما بعدها، وهو ما يضمن استمرارية الزخم السياحي.
وتوقع المحلل الاقتصادي أن ينهي المغرب سنة 2025 برقم قياسي في عدد السياح، مرجحاً تجاوز حاجز 20 مليون سائح، مستفيدا من تزامُن البطولة مع عطلات أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية. وخلص جدري إلى أن الهدف الأسمى هو الحفاظ على هذا النسق التصاعدي واستغلال الإشعاع الذي ستمنحه الكأس القارية لضمان استدامة الجاذبية السياحية والاقتصادية للمغرب وصولا إلى محطة مونديال 2030.
المصدر:
العمق