في أول تجربة روائية طويلة له، يواصل المخرج المغربي الشاب معدان الغزواني شق طريقه داخل المشهد السينمائي الوطني بثبات؛ من خلال فيلمه الجديد “موفيطا”، الذي اختار أن يغوص عميقا في قضايا اجتماعية وإنسانية شائكة، مرتبطة بالفقر والكرامة والحق في السكن اللائق، دون الوقوع في فخ الخطاب المباشر أو الاستدرار العاطفي السهل.
وفي حوار مع جريدة هسبريس، أوضح الغزواني أن خوض تجربة فيلم سينمائي يظل دائما محفوفا بعدم اليقين، مشيرا إلى أن صناع الفيلم لا يمكنهم التنبؤ مسبقا بردود الفعل التي قد يثيرها أي عمل فني وسط الجمهور.
وأضاف المخرج المغربي الشاب أن “موفيطا” شريط يمتد على مدار 118 دقيقة من الدراما المكثفة، التي تمزج بين الألم والسخرية السوداء، قدم بحب كبير وبكل ما يملكه الفريق من صدق واجتهاد من أجل تقاسمه مع الجمهور، قبل أن يفاجأ بحجم التفاعل الإيجابي والإعجاب الذي حظي به، سواء من أبناء جيله أو من أجيال سابقة ولاحقة؛ وهو ما اعتبره تأكيدا على أن السينما هي مكانه الطبيعي ومجاله الإبداعي.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن قوة الفيلم تكمن في صدقه، خاصة في تعاطيه مع الطبقة الاجتماعية التي يعبر عنها، موضحا أنه تعمد تقديم شخصيات فقيرة دون وضعها في قالب الضحية المستسلمة أو “المسكينة”؛ بل سعى إلى إبراز أناس بسطاء قادرين على التعايش مع قسوة الحياة، ويحملون أعباءها اليومية فوق ظهورهم.
ولفت إلى أن شخصيات الشريط لا تبالغ في البكاء أو الضحك؛ بل تعيش في توازن هش، وتخوض صراعاتها اليومية مع مشاكل بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة الأثر في واقعها المعيشي.
وعن اختياره للثنائي عبد النبي البنيوي وهاجر كريكع، أكد الغزواني أن الأمر لم يكن وليد الصدفة؛ بل جاء نتيجة تجربة اشتغال سابقة جمعته بهما، حيث شكلا، حسبه، ثنائيا منسجما، لكونهما ينتميان إلى الدفعة نفسها بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، ما ولد بينهما كيمياء واضحة على الشاشة، مضيفا أن اشتغالهما معا في أعمال سابقة ساهم في خلق علاقة روحية وفنية انعكست إيجابا على أدائهما داخل الفيلم، معبرا عن أمله في أن يكون قد وفق في توجيههما وتمرينهما على الوضعيات التي فرضها السياق الدرامي للشريط.
وفي حديثه عن أسلوبه في العمل مع الممثلين، أوضح الغزواني أن طريقة الاشتغال تختلف حسب طبيعة الفيلم والمسار الفني الذي يرسمه المخرج، مشيرا إلى اعتماده أحيانا على ما سماه بـ”الكاستينغ الحر”، الذي يمكنه من اكتشاف مواهب خامة وجديدة وصفها بالهائلة، إلى جانب اشتغاله مع ممثلين محترفين وخريجي معاهد لهم بدورهم ميزتهم الخاصة، إذ يمنحون المخرج، حسب تعبيره، راحة أكبر داخل البلاطو، ويساهمون في خلق تفاصيل كثيرة، بحكم اشتغالهم العميق على الشخصيات بأدواتهم وأساليبهم المختلفة في تفكيك الأدوار.
وأفاد معدان الغزواني بأن فيلم “موفيطا” يحكي قصة أيوب، طفل في العاشرة من عمره، يعيش رفقة والديه وشقيقه الرضيع في شقة صغيرة ورثتها الأسرة عن الجد؛ غير أن هذا الفضاء، الذي يفترض أن يكون ملاذا للأمان، يتحول إلى بؤرة صراع قاس، بعد مطالبة العم بنصيبه من الإرث، لتنقسم الشقة بين الطرفين. وتبلغ المأساة ذروتها حين يتبين أن المرحاض الوحيد يوجد في الجهة التي استحوذ عليها العم، لتجد الأسرة نفسها محرومة من أبسط شروط العيش الآدمي.
ويحول الغزواني هذا الحدث البسيط في ظاهره إلى دراما رمزية كثيفة الدلالات، حيث يصبح “المرحاض” رمزا للفقر والإقصاء وفقدان الكرامة الإنسانية، ولحظة مواجهة قاسية بين الإنسان وواقع مهين يفرض عليه يوميا. ومن خلال عيني الطفل أيوب، يرصد الفيلم تفاصيل صغيرة من الحياة اليومية، تكشف كيف يمكن للعوز أن يسلب الإنسان حتى حقه في الخصوصية، وكيف يتحول قضاء الحاجة إلى معركة يومية ضد الإذلال والتهميش.
وعلى المستوى الجمالي، قال المخرج المغربي معدان الغزواني إن الفيلم يعتمد أسلوبا بصريا هادئا يقترب من الواقعية الجديدة، حيث تتجاور الصورة والمشهد دون افتعال أو مبالغة درامية، مضيفا أن اللقطات الثابتة خلقت إلى جانب الصمت الممدود في المشاهد الداخلية توترا إنسانيا عميقا؛ بينما جرى توظيف الضوء والعتمة كمرآة تعكس صراع الشخصيات بين التشبث بالبقاء والاستسلام لانكسارات الحياة اليومية.
ويشارك في تشخيص “موفيطا” كل من عبد النبي البنيوي وهاجر كريكع ومحمد مروا وعبد الغني الصناك وبوبكر أيت يحيى ونفيسة الدكالي، وهو عمل حقق تفاعلا إيجابيا لافتا داخل عدد من المهرجانات السينمائية في انتظار خروجه الرسمي إلى القاعات الوطنية السنة المقبلة.
المصدر:
هسبريس