أكد رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، أن المغرب يحرص على تحويل كلفة تنظيم التظاهرات الرياضية القارية والدولية إلى فرص حقيقية للتجهيز والتنمية، وعامل لتسريع تحديث البنى التحتية وعصرنة التجهيزات الأساسية والاستراتيجية، فضلًا عن تعزيز الجاذبية الاستثمارية وتنويع الأسواق السياحية والتعريف بمؤهلات المملكة التاريخية والثقافية.
وأبرز الطالبي العلمي، في كلمة له خلال أشغال المنتدى الدولي حول الرياضة المنظم بمجلس النواب، اليوم الخميس، أن الرهانات المرتبطة بتنظيم البطولات الكبرى لا تُنظر إليها من زاوية الكلفة المالية فقط، بل باعتبارها استثمارًا طويل الأمد في المدن والمجالات الترابية والخدمات العمومية.
وأوضح أن التجربة المغربية في هذا المجال تندرج ضمن منطق تنموي متكامل، سبق أن أثبت نجاعته في تجارب دولية عديدة، حيث شكّلت المحطات الرياضية الكبرى مدخلا لتحولات نوعية في البنيات التحتية، وتجديد التجهيزات الأساسية، ورافعة للإشعاع الدولي والاندماج في الدينامية الاقتصادية العالمية.
وأضاف أن المغرب يسير في هذا الاتجاه بثبات، مع الحرص على توظيف كل تظاهرة رياضية لخدمة التنمية المحلية والوطنية.وأشار رئيس مجلس النواب إلى أن تنظيم التظاهرات الرياضية بالمغرب يتجاوز البعد التنظيمي والتقني، ليعكس كذلك القيم الإنسانية التي تقوم عليها الرياضة، وفي مقدمتها الانفتاح والتسامح والعيش المشترك.
وقال إنه على بعد أيام من احتضان المملكة لأكبر تظاهرة رياضية إفريقية، يلمس الجميع ليس فقط شغف المغاربة بالرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص، بل يعيشون أيضًا كيف يجسد الشعب المغربي قيم الضيافة وحسن الاستقبال والتعايش، بما يعزز صورة المغرب كبلد منفتح وآمن.
وفي هذا السياق، أبرز الطالبي العلمي أن ما تحققه المملكة من نهضة رياضية شاملة ودامجة يتميز بكونه نموذجا متفردا ملائما للسياق الوطني، مع تفاعل إيجابي مع المعايير والممارسات الدولية من حيث التجهيزات والنموذج الاقتصادي والحكامة.
وأكد أن الرياضة، وخاصة كرة القدم، أضحت اليوم مجالًا تنطوي عليه رهانات جيوسياسية ومالية كبرى، غير أن المغرب، بتوجيهات ملكية سامية، يحرص على ترسيخ القيم الإنسانية للرياضة، وجعلها رافعة للتقارب بين الشعوب، لا مجرد مجال للتنافس المالي.
وعاد رئيس مجلس النواب إلى التذكير بأن تنظيم هذا المنتدى الدولي حول الرياضة يندرج في إطار الاهتمام المتزايد الذي يوليه مجلس النواب لهذا القطاع باعتباره عملًا مجتمعيًا له تاريخ وذاكرة وحصيلة وآثار، ولم يعد نشاطا ترفيهيا معزولا، بل أصبح عنصرا أساسيا في مسار التنمية الشاملة.
وأوضح أن المنتدى يشكل فضاءً للحوار المؤسساتي حول واقع الرياضة الوطنية، ومنجزاتها وتحدياتها، وكذا حاجياتها وسبل تقويم السياسات العمومية المرتبطة بها.
وسجل الطالبي العلمي أن المجلس النيابي يمارس من خلال هذا المنتدى اختصاصه الدستوري في تقييم السياسات العمومية، من خلال إخضاع الاستراتيجية الوطنية للرياضة للتقييم، بالنظر إلى مركزية هذا القطاع في التنمية. وذكّر في هذا السياق بالمناظرة الوطنية للرياضة التي احتضنتها مدينة الصخيرات سنة 2008، والتي حظيت برسالة ملكية وجهها الملك محمد السادس شكلت تشخيصًا دقيقًا لوضعية الرياضة الوطنية، من حيث التحديات والنموذج الاقتصادي والمكانة الاجتماعية.
وأوضح رئيس مجلس النواب أن الرسالة الملكية كانت بمثابة خطة وطنية مؤسسة على رؤية مستقبلية متعددة الأبعاد، من بينها اعتماد إطار تشريعي ملائم لتطوير الرياضة، وتعزيز التكوين والتأطير والتمويل، وبناء المنشآت الرياضية، وترسيخ الحكامة والاحتراف.
وأضاف أن هذه التوجيهات تُرجمت إلى الاستراتيجية الوطنية للرياضة 2008-2020، التي تضمنت عشر ركائز كبرى، في مقدمتها تكريس الرياضة حقًا أساسيًا، وجعلها أداة للإدماج والتماسك الاجتماعي، وتعزيز حكامة القطاع وتطوير المنشآت والممارسة الرياضية.
وأشار الطالبي العلمي إلى أن التكوين وتطوير المنشآت الرياضية، من حيث الجودة والوفرة والقرب من المواطن، وخاصة الشباب، شكّلا ولا يزالان عصب السياسات العمومية الرامية إلى تحقيق نهضة رياضية في أفق حقوقي وتنموي وإنساني، توّج بدسترة الحق في ممارسة الرياضة سنة 2011، والتنصيص على إلزامية تيسير ولوج الجميع إليها على أساس المساواة.
وأكد رئيس مجلس النواب أن العناية الملكية بالرياضة والرياضيين أسهمت في ترسيخ شغف شعبي واسع بهذا النشاط، حيث لا تكاد تخلو مدينة أو جماعة أو حي من جمعية أو نادٍ رياضي يعكس جزءا من الهوية الثقافية المحلية، مضيفا أن الشعب المغربي يُعد من أكثر الشعوب شغفًا بالرياضة، ولا سيما كرة القدم التي أصبحت جزءًا من حياته اليومية وثقافته العامة، حتى في غياب الرهان الوطني.
وشدد الطالبي العلمي على أن الإنجازات التي حققها المغرب في ألعاب القوى في فترات سابقة، وما تحقق في كرة القدم خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب رياضات أخرى كالفروسية والغولف، لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية واضحة، وتكوين ومأسسة وتنظيم وتحفيزات، وسياسات إرادية وفرت العرض الرياضي والمنشآت الضرورية لاحتضانه.
وفي البعد القاري، ذكّر رئيس مجلس النواب بما أكده الملك محمد السادس، بمناسبة منح جلالته جائزة التميز للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، حين شدد على أن المغرب يضع إمكانياته وبنياته التحتية وتجربته، لا سيما في مجال كرة القدم، رهن إشارة الدول الإفريقية الشقيقة، مؤكدًا أن النهضة الرياضية المغربية تُعد رصيدًا مشتركًا للقارة الإفريقية، وليست حكرًا على المملكة.
وختم الطالبي العلمي بالتأكيد على أن استحضار مركزية الرياضة في التنمية الشاملة هو ما دفع مكونات مجلس النواب إلى التوافق على تقييم الاستراتيجية الوطنية للرياضة، معربًا عن أمله في أن يُسهم هذا المنتدى في إغناء التقرير الذي تعده مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالتقييم، بما يواكب الرؤية الملكية الهادفة إلى جعل الرياضة إحدى الرافعات الأساسية للتنمية، مع مواصلة تكريم الرياضيات والرياضيين تشجيعا وتحفيزا للنبوغ المغربي.
المصدر:
العمق