ما أن تعانق حبات الثلج الأرض وتتوشح قمم تيشكا البياض، حتى تتكدس السيارات خلف الحواجز الحديدية المنتصبة بممر “تيشكا”، سدا منيعا، وكأنها إعلان حرب، في وقت كان يفترض أن ينهي هذا النفق معاناة ساكنة الجنوب الشرقي ويبدّد كل التكهنات ويضع حدا لكل الأقاويل والشائعات.
وبمجرد أن تتساقط الثلوج على هذا المقطع الطرقي حتى تتناسل أسئلة بحجم الجبال حول مصير نفق وصف بـ“الاستراتيجي”، ظل حبيس الوعود والتصريحات دون أن يرى النور، لبيصم بالعشرة على فشل حكومي وعلى معاناة إنسانية واقتصادية تتكرر مع كل شتاء.
ورغم الوعود المتكررة بتسريع وتيرة الأشغال، ما يزال مشروع نفق “تيشكا”، الذي يعوّل عليه لفك العزلة عن أقاليم الجنوب الشرقي وربطها بشكل آمن ودائم بمدينة مراكش، يراوح مكانه، في وقت تتجدد فيه معاناة مستعملي الطريق الوطنية رقم 9، خصوصا خلال فترات التساقطات الثلجية والاضطرابات المناخية.
ويرى مهنيون وفاعلون مدنيون أنه رغم الإعلان عن انطلاق المشروع في مناسبات رسمية، مع رصد اعتمادات مالية له، إلا أن وتيرة الإنجاز، لا ترقى إلى مستوى الانتظارات، ما يطرح تساؤلات حول أسباب التأخر، سواء المرتبطة بطبيعة التضاريس الجيولوجية الصعبة، أو بالإكراهات التقنية والتمويلية، أو بتدبير المشروع ذاته.
رضوان جخا، فاعل جمعوي بإقليم ورزازات، ومهتم بالسياسات العمومية المرتبطة بالشباب والمجالات الترابية، عبّر عن إستغرابه الكبير من كثرة الدراسات التقنية والجيو_فيزيائية التي تسببت في هذا التأخر الذي دام لسنوات من أجل إخراج هذا الورش الطرقي إلى الوجود، مؤكدا أن “أوراشا هيكيلة يتم تشييدها بالمدن الكبرى في أشهر قليلة، في حين إستغرق نفق تيشكا سنوات من الدراسات التقنية، ومع ذلك لا وجود لمؤشرات تؤكد على قرب إنجاز هذا النفق”.
وأوضح جخا في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن “مرتادي الطريق الوطنية رقم 9 كانوا يعيشون معاناة كثيرة إلى غاية سنة 2015 تقريبا، لكن بعدها وبعد عملية توسيع المسلك الطرقي تيشكا وصولا لمنطقة تدارت أصبح الوضع أكثر أريحية، غير أنه حان الوقت لإخراج هذا المشروع الطموح للوجود لما سيكون له من تأثير ملموس على المستوى السوسيو_إقتصادي”.
وأشار المتحدث أن “إنجاز نفق تيشكا من شأنه تقليص المدة الزمنية التي تربط بين ورزازات ومراكش، حيث من المرتقب أن تصل إلى ساعة ونصف عوض أربع ساعات ونصف حاليا، إضافة إلى تجاوز تحديات ومخاطر الإنهيارات الصخرية بجبال تيشكا التي تأتي بين الفينة والأخرى خصوصا في فصل الشتاء مع تهاطل الثلوج، وكذلك خلال الفيضانات الموسمية صيفا، علاوة على أن الربط بين قطبين سياحيين، هما مراكش وورزازات لن يتأتى بدون نفق تيشكا الذي سيكون قاطرة تنموية إستراتيجية بين المدينتين”.
وأبرز الفاعل المدني أنه “قام بالعديد من المبادرات المتعلقة بنفق تيشكا، أهمها المذكرات الترافعية التي أشرف على إعدادها، وجرى تقديمها لكل من رئيس الحكومة الأسبق، وكذا رئيسي البرلمان، كما كان له مرافعات داخل قبة البرلمان عبر خمس منتديات برلمانية للعدالة الإجتماعية التي تطّرق عبرها خلال مُداخلته بِحضور مسؤولين حكوميين وبرلمانيين ورؤساء جهات لأهمية نفق تيشكا في التأهيل الترابي المندمج بالجنوب الشرقي بأكمله. كما قام بالإشراف على إعداد تصور الحاضرة السينمائية بإقليم ورزازات وتقديمه للعامل السابق لإقليم عبد الرزاق المنصوري”.
وسجل المصدر ذاته أن “نفق تيشكا له أثر تنموي بالغ الأهمية، بإعتباره مفتاحا للتنمية المجالية المندمجة، فعبره ستنفتح ورزازات بل والجنوب الشرقي بأكمله على وسط المملكة المغربية، وستكون ورزازات منطقة استقرار سياحي عوض منطقة عبور حاليا، وهو ما سيَنْعكس إيجابا على مؤشرات ليالي المبيت بجميع فنادق الإقليم، ما سيجعل قصر أيت بن حدو منصة دولية للترويج الثقافي”.
ولفت إلى أن “إنجاز هذا المشروع سيؤدي إلى تحفيز الإستثمارات العمومية والأجنبية بأقاليم ورزازات وتنغير وزاكورة، وما تأمله ساكنة هذه الأقاليم هو إرادة حكومية قوّية عبر تخصيص تمييز إيجابي لمناطق الجنوب الشرقي، فالباروميتر التنموي حاليا يجب أن ينطلق من الأقاليم التي تسير بالسرعة الثانية، لذلك فإن إنجاز نفق تيشكا يحتاج لإرادة حكومية تمزج بين الأقوال مع الأفعال، فلا يعقل كل هذه السنوات من الإنتظار، مع العلم أن أوراش هيكيلة كبرى تم تشييدها في وقت قياسي”.
وختم جخا تصريحه بالقول، إن “نفق تيشكا يعد أولى لبِنات التنمية المجالية المندمجة عبر الورش الملكي المتعلق بالتأهيل الترابي الشامل الذي وضع ملامحه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في خطابين ملكين متتاليين هما خطاب العرش المجيد وخطاب افتتاح البرلمان”، داعيا إلى “تكثيف المرافعات من أجل جذب الإستثمارات العمومية بالجنوب الشرقي، وتشييد أوراش كبرى على غرار نفق تيشكا وطرق سريعة”.
من جهته، كشف فؤاد الورزازي، منعش سياحي بإقليم زاكورة، أن نفق تيشكا يعد واحدا من أهم المشاريع الكبرى للبنية التحتية بالمغرب، لما له من أهمية استراتيجية في ربط أقاليم الجنوب الشرقي بباقي مناطق المملكة، مضيفا أن “إنجاز هذا المشروع سيمکّن من تسهيل حركة النقل وتطوير القطاع السياحي بجهة درعة تافيلالت”.
وأوضح الورزازي في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن هذا “المشروع كان من المنتظر أن يساهم في تحسين السلامة الطرقية، وتقليص مدة السفر، وتنشيط الاقتصاد المحلي عبر خلق فرص شغل ودعم الاستثمار السياحي”، مبرزا في الوقت نفسه، أن “التأخر في إنجاز النفق أثار قلق العديد من المستثمرين والفاعلين الإقتصاديين، لما له من انعكاسات سلبية على التنمية الجهوية وعلى جودة الخدمات المقدمة للسياح والسكان المحليين على حد سواء”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “هذا التأخر يشكل مصدر قلق حقيقي، خاصة وأن هذا المشروع كان يُعوَّل عليه لفك العزلة عن أقاليم الجنوب الشرقي وتحسين السلامة الطرقية وضمان انسيابية التنقل طيلة السنة”، مسجلا أن “المشروع يواجه تحديات تقنية وجيولوجية معقدة، لكن طول مدة الإنجاز مقارنة بالآجال المعلنة سابقا يؤثر سلبا على ثقة الفاعلين الاقتصاديين”.
ولفت إلى أن “هذا التأخير تنجم عنه أضرار كثيرة، من بينها استمرار صعوبة الولوج إلى مناطق ورزازات، زاكورة، تنغير والراشيدية، خاصة خلال فصل الشتاء، وتراجع جاذبية المنطقة سياحيا، وإلغاء أو تقليص عدد من الرحلات والبرامج السياحية، ثم إرتفاع كلفة النقل والخدمات اللوجستية، وهو يثقل كاهل المستثمرين والمهنيين، إضافة إلى التأثير المباشر على الساكنة المحلية من حيث السلامة الطرقية وفرص الشغل والتنمية”.
وشدد المصدر ذاته على أن “إنجاز هذا النفق سيحقق فوائد استراتيجية مهمة، من بينها، تقليص مدة السفر وتحسين شروط السلامة بشكل كبير، وإعطاء دفعة قوية للاستثمار السياحي والفندقي بالمنطقة، إضافة إلى تنشيط الاقتصاد المحلي وخلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة، علاوة على تعزيز الربط بين شمال وجنوب المملكة ودعم العدالة المجالية”.
وأكد المنعش السياحي أن “عددا من المستثمرين والمهنيين، سبق لهم، سواء بشكل فردي أو عبر هيئات مهنية وجمعيات، أن راسلوا الجهات المختصة، كما تم طرح الموضوع في لقاءات رسمية ومناسبات مهنية، للتنبيه إلى انعكاسات هذا التأخير والدعوة إلى تسريع وتيرة الإنجاز، بإعتبار أن هذا المشروع ظل يراوح مكانه منذ سنوات”.
إلى ذلك، طالب الورزازي الجهات المعنية، بـ“تسريع وتيرة الأشغال مع احترام معايير الجودة والسلامة، والتواصل الواضح والمنتظم حول تقدم المشروع والآجال الواقعية لإنجازه، وإشراك الفاعلين الاقتصاديين المحليين في تتبع المشروع وتقييم آثاره، مع التفكير في حلول انتقالية لتخفيف معاناة مستعملي الطريق إلى حين اكتمال هذا النفق الذي يعد رافعة حقيقية للتنمية السياحية والاقتصادية بالجنوب الشرقي، وتأخره يضيع فرصا تنموية مهمة على المنطقة والبلاد ككل”.
من جانبه، وجّه عبداللطيف العكزي، الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية لمهني سيارات الأجرة بورزازات، نداء عاجلا بالإسراع في إنجاز مشروع هذا النفق الرابط بين مدينتي ورزازات ومراكش، لما لهذا المشروع الهيكلي من أهمية استراتيجية في تقليص المسافة والزمن بين جهة مراكش أسفي وجهة درعة تافيلالت.
وأكد العكزي في تصريح لـ“العمق المغربي”، أن “إخراج هذا المشروع الطموح إلى حيز الوجود من شأنه تعزيز حركة النقل الطرقي والنقل السياحي بواسطة سيارات الأجرة، وتحسين شروط السلامة والجودة، فضلا عن كونه رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والسياحية بالمنطقة”.
وسجل المتحدث ذاته، بقلق كبير، أن “تأخر إنجاز هذا المشروع يشكل عائقا حقيقيا أمام تنقل المهنيين والمرتفقين، ويحد من جاذبية جهة درعة–تافيلالت سياحيا، خاصة عبر محور تيزي نتشكا الذي يعرف صعوبات كبيرة، خصوصا خلال فصل الشتاء”.
من جهة أخرى، شدّد المصدر نفسه على أن “المغرب مقبل على احتضان تظاهرات رياضية كبرى، وعلى رأسها كأس العالم 2030، وهو ما يستدعي تأهيل البنيات التحتية الطرقية، حتى وإن لم تتوفر الجهة، بما فيها ورزازات، على ملاعب كبرى، فإنها تبقى وجهة سياحية عالمية مرشحة لاستقبال أعداد مهمة من الزوار القادمين من مختلف دول العالم لاكتشاف مؤهلاتها الطبيعية والثقافية”.
وعليه، جدّد الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية لمهني سيارات الأجرة بورزازات، مطالبه للجهات المختصة والوزارة الوصية بـ“ضرورة التعجيل بإخراج مشروع نفق تيشكا إلى حيز التنفيذ، لما له من انعكاسات إيجابية مباشرة على التنمية المحلية والجهوية، وعلى قطاع النقل والسياحة بالمنطقة”.
المصدر:
العمق