كشفت تسريبات من تقرير أنجزته المفتشية العامة لوزارة الداخلية بجماعة بوسكورة عن اختلالات بنيوية خطيرة في تدبير المداخيل الجماعية، همت تحصيل الرسوم، وتنظيم مصلحة الموارد المالية، ومراقبة الوعاء الضريبي، ما كبّد ميزانية الجماعة خسائر مالية كبيرة قُدّرت بعشرات الملايين من الدراهم، وكانت من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى عزل الرئيس الاستقلالي السابق والبرلماني الحالي بوشعيب طه.
ووفق المعطيات المتوفرة، سجل التقرير غياب التنسيق اللازم مع الخازن الجماعي بخصوص تحصيل الرسوم المدبرة من طرف الدولة، ما أدى إلى ارتفاع مهول في مبالغ “الباقي استخلاصه”، التي بلغت إلى حدود 31 دجنبر 2023 ما مجموعه أزيد من 427,9 مليون درهم، بزيادة تناهز 9,67 في المائة مقارنة بسنة 2022. ويُعد الرسم المهني الأعلى من حيث المبالغ غير المحصلة، إذ تجاوز 197,9 مليون درهم سنة 2023.
كما رصد التقرير عدم تصفية الرسوم القديمة التي تم إلغاؤها أو تعويضها بموجب القانون 47.06 المتعلق بالجبايات المحلية، من بينها ضريبة المباني وضريبة الصيانة وضريبة التجارة، ما ساهم في تعقيد وضعية المداخيل الجماعية.
وسجلت لجنة التفتيش ارتفاعا مقلقا في الباقي استخلاصه من الرسوم المدبرة مباشرة من طرف الجماعة، والذي بلغ سنة 2023 ما يفوق 609 مليون درهم، مسجلا زيادة بنسبة 41,26 في المائة مقارنة بسنة 2022، مع هيمنة الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية الذي يمثل لوحده حوالي 27 في المائة من هذا المبلغ.
وأشار التقرير إلى ضعف خطير في البنية البشرية والتنظيمية لمصلحة الموارد المالية، إذ يشرف على تدبير مداخيل الجماعة موظفان فقط، في جماعة يفوق عدد موظفيها 113 موظفا، في خرق لمبادئ التدبير السليم. كما تم تسجيل عدم احترام دورية وزير الداخلية التي توجب الفصل بين مهام تحديد الوعاء والتحصيل والمراقبة، مع غياب تام لمكتب خاص بالمراقبة، وتركيز مهام متنافية بيد الشسيع.
وسجل التقرير أيضا عدم إبرام عقد تأمين لفائدة شسيع المداخيل لتغطية مسؤوليته المالية، خلافا لما ينص عليه القانون، إضافة إلى وجود اختلافات غير مبررة بين المعطيات المستخرجة من التطبيق المعلوماتي المعتمد لتدبير الرسوم والبيانات المالية المؤشر عليها من طرف الخازن الجماعي.
وفي ما يخص الرسوم الذاتية، كشف التقرير عن اختلالات جسيمة في منح الإعفاءات المرتبطة بالسكن الاجتماعي، مع ضعف مراقبة مدى احترام المنعشين العقاريين للالتزامات التعاقدية، حيث تم تسجيل أداء مبالغ بدون موجب قانوني فاقت 9,36 ملايين درهم، نتيجة الاعتماد على اتفاقيات قديمة أو غير مطابقة للمشاريع المنجزة.
كما أبرز التقرير ضعف مراقبة الرسم على عمليات البناء، حيث كشفت دراسة عينة من الرخص عن فوارق كبيرة بين المساحات المصرح بها وتلك المعتمدة في احتساب الرسم، ما أدى إلى تفويت مبالغ مالية مهمة، رغم أن الحالات المدققة لا تتجاوز 1 في المائة من مجموع الرخص.
وبخصوص الرسم على تجزئة الأراضي، تم تسجيل عدم استخلاص الرسوم المستحقة في عدة مشاريع، مع التصريح بتكاليف تجهيز ضعيفة وغير واقعية، وغياب وثائق ثبوتية دقيقة، ما أدى إلى تفويت ما يقارب 2,7 مليون درهم اعتمادا على عينة محدودة فقط، أي ما يعادل نسبا مرتفعة من مداخيل الجماعة السنوية.
وسجل التقرير غياب مراقبة الأشغال المنجزة فعليا، خصوصا في ما يتعلق بتهيئة الطرق، حيث قُدّر المبلغ المفوت بأزيد من 866 ألف درهم، دون احتساب أشغال التطهير والماء والكهرباء. كما تم رصد خروقات في مسطرة إثبات الاستغلال الفلاحي، حيث لم يتم احترام تشكيل اللجان القانونية، وتم منح إعفاءات بناء على معاينات غير قانونية.
ومن بين الاختلالات البارزة، عدم استغلال نتائج دراسة كلفت 180 ألف درهم لضبط الأراضي غير المبنية، وعدم استخلاص الرسوم المستحقة قبل الترخيص بإحداث التجزئات، وضعف التنسيق بين مصلحتي التعمير والموارد المالية، ما أدى إلى تفويت مبالغ إضافية فاقت 6,27 ملايين درهم.
كما كشف التقرير عن اختلالات خطيرة في تدبير الرسم على شغل الملك العمومي، سواء خلال أوراش البناء أو لأغراض تجارية وإشهارية، مع تسجيل حالات استغلال دون ترخيص، وعدم احترام دورية الاستخلاص، ما حرم الجماعة من مداخيل مهمة.
وسجلت لجنة التدقيق استمرار احتلال الملك العمومي عبر شبابيك أوتوماتيكية ولوحات إشهارية دون احترام المساطر القانونية، مع غياب تفعيل التعريفات المحددة في القرار الجبائي، ما يعكس ضعفا واضحا في المراقبة والتتبع.
وخلص التقرير إلى أن هذه الاختلالات المتراكمة كشفت عن ضعف كبير في حكامة تدبير المداخيل الجماعية، وأدت إلى ضياع موارد مالية ضخمة، داعيا إلى تفعيل المقتضيات القانونية، وتعزيز المراقبة الداخلية، وإعادة هيكلة مصلحة الموارد المالية، حفاظا على المال العام وضمانا لنجاعة التدبير المحلي.
المصدر:
العمق