اختتمت بمدينة مراكش فعاليات الدورة الثالثة للمؤتمر الدولي “لقاءات مراكش للتدبير”، التي نظمتها جامعة الحسن الأول وكلية الاقتصاد والتدبير بسطات، لتضع على طاولة النقاش إحدى أكثر القضايا إلحاحا في العصر الحديث. وتناول المؤتمر، الذي استمر على مدى ثلاثة أيام ابتداء من العاشر من دجنبر 2025، إشكالية محورية تمحورت حول سؤال “العمل أكثر؟ العمل أقل؟ أم العمل بطريقة مختلفة؟”، مستقطبا نخبة من الأكاديميين والخبراء وصناع القرار من مختلف أنحاء العالم.
وكشف نبيل ورسافي، منسق المؤتمر، في تصريح لجريدة “العمق” أن اختيار هذا الموضوع جاء كامتداد طبيعي للدورتين السابقتين، وبهدف تحليل التحولات العميقة التي يعيد من خلالها العالم تشكيل علاقته بمفهوم العمل. وأوضح ورسافي، وهو أستاذ باحث بكلية الاقتصاد والتدبير، أن اللقاءات استهدفت طرح مقاربات شاملة لفهم الديناميكيات الجديدة لسوق الشغل، من خلال استضافة لفيف من الباحثين والخبراء وممثلي المجتمع المدني، مؤكدا أن الحدث انطلق من رؤية استراتيجية تعتبر مراكش جسرا بين شمال العالم وجنوبه.
مصدر الصورة
من جهته، أفاد خالد صديقي، الأستاذ الباحث بكلية الاقتصاد والتدبير، في تصريح لجريدة “العمق” بأن المؤتمر هدف إلى تفكيك هذه الإشكاليات المعقدة، خصوصا في عالم ما بعد جائحة كوفيد-19 التي سرعت من وتيرة هذه التحولات. وأشار صديقي إلى أن المشاركين بحثوا عن سبل مبتكرة لتحسين طرق العمل، بحيث يتم إنجاز المزيد بمجهود أقل، وذلك عبر تحسين إدارة الوقت، واستثمار المهارات بدلا من الساعات، بالإضافة إلى بناء بيئات عمل فعالة ومحفزة. وأكد أن نجاح المؤتمر كان ثمرة مجهود مشترك بين الجامعة والكلية المنظمة وشراكة فاعلة مع مختبر البحث في التدبير والتنمية وعدد من الفاعلين السوسيو-اقتصاديين.
وفي سياق متصل، أكد عبد الرحيم الجديدي، عضو اللجنة التنظيمية، أن العالم شهد خلال العقد الأخير أكبر طفرة تكنولوجية في تاريخ العمل منذ الثورة الصناعية، وهي طفرة لم تقتصر على الرقمنة فحسب، بل امتدت لتعيد تعريف ماهية العمل ذاته. وأوضح الجديدي، وهو طالب باحث بسلك الدكتوراه، أن أنماط العمل المهنية تطورت بشكل جذري، إذ لم يعد العمل يقاس بالحضور الجسدي، بل أصبح المكان والزمان متغيرين تبعا لاحتياجات أنماط جديدة كالعمل عن بعد والعمل الحر، فضلا عن الأدوات المساعدة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي التوليدي.
مصدر الصورة
وأضاف المصدر ذاته ضمن تصريحه لجريدة “العمق” أن هذا الواقع الجديد طرح تساؤلات عميقة حول مكان العمل، سواء كان من المكتب أو المنزل أو أي فضاء آخر، مسلطا الضوء على التحديات والفرص المصاحبة لهذه التحولات. وتابع أنه على الرغم من أن العمل عن بعد ساهم في خفض الإجهاد المرتبط بالتنقل وعزز استقلالية الموظفين ومرونتهم، إلا أنه في المقابل فاقم من مخاطر العزلة الاجتماعية وأثار مخاوف حقيقية حول انهيار الحدود الفاصلة بين الحياة الخاصة والمهنية.
وقد خلصت النقاشات، التي استندت إلى بيانات ودراسات حديثة، إلى أن الإجابة على سؤال المؤتمر المحوري ليست بسيطة، بل هي سؤال متعدد الأبعاد يرتبط ارتباطا وثيقا بضرورة بناء نموذج مجتمعي جديد. ووفقا لما أورده المتدخلون، فإن هذا النموذج يجب أن يدمج بشكل متناغم بين الإنسان والتكنولوجيا والصحة والبيئة ومتطلبات العدالة الاجتماعية، وهو ما يتطلب تعبئة المعرفة العلمية عبر مقاربات متعددة التخصصات تجمع بين علوم الإدارة والاجتماع والاقتصاد لإنتاج حلول مبتكرة ومستدامة.
مصدر الصورة
مصدر الصورة
وعلى الصعيد الأكاديمي، تميزت الدورة الثالثة، حسب منسق المؤتمر، باستضافة أقدم مجلة علمية متخصصة في علوم التدبير في البلدان الفرنكفونية، كما وفرت منصة قيمة لطلبة سلك الدكتوراه لتقديم أوراقهم البحثية والاستفادة من مواكبة علمية متخصصة، فضلا عن إتاحة الفرصة لطلبة الماستر للقاء مجموعة من المشغلين بهدف تعزيز فرص اندماجهم في سوق العمل.
المصدر:
العمق