آخر الأخبار

باسم يوسف: مآسي العالم العربي مستمرة لتفويضنا للغرب رسم صورتنا

شارك

انطلاقا من تخوّف محيطه من زيارتهِ دولةَ ليبيا لتلبية دعوة “أيام طرابلس الإعلامية” حاول رائد السخرية السياسية باسم يوسف فهم الصورة غير الدقيقة التي تُصوَّر بها دول عبر العالم، خاصة في العالم العربي، والصورة المغلوطة التي ترسبت حتى لدى أبناء دول المنطقة، وما الذي يعنيه استمرار منطق التلقي السلبي للصور الترفيهية والإعلامية المعدّة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، من استمرار مآس مثل إبادة الفلسطينيين في غزة من قِبَل إسرائيل دون ردود فعل من الدول تحمي قدسية أرواحهم بوصفهم بشرا.

باسم يوسف، الإعلامي المصري المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، كان صاحب أبرز برنامج ساخر في العالم العربي هو “برنامج البرنامج”، وهو اليوم من الوجوه المؤثرة في الكوميديا السياسية الساخرة والنقاش الإعلامي باللغة الإنجليزية، وقال إن أول كلمة نطق بها كثيرون من محيطه عندما أخبرهم بأنه سيزور ليبيا هي: “لِم!؟”، مردفا: “لا ألوم الناس على ذلك، بعد أخبار الصراعات والنزاعات والعواجل غير الجيدة في الغالب، لكن عندما وصلت إلى هنا أحسست (…) بإحساس الغباء الذي كنت أحسّ به عند حديث الأجانب عن دولنا، كما أحسست بالتقصير لأني لا أعرف عن ليبيا الكثير”.

وفي مداخلته خلال فعاليات “أيام طرابلس الإعلامية” اعترف باسم يوسف بأنه بمجرد وصوله إلى العاصمة الليبية، ورؤيته أضواء المدينة وازدحام السيارات والبنايات الشاهقة والحياة العادية خجل من نفسه وجهله، بحسب تعبيره، مضيفا: “دفعتني هذه التجربة إلى التفكير في معلومات وانطباعات تصلنا عن العالم، ولا علاقة لها بالواقع، وهو ما يبلغ درجة أن لا معلومات لي عن جارة لبلدي، وهو جهل الأجانب نفسه الذي نحس به لما يزوروننا في مصر أو الجزائر أو المغرب”.

مصدر الصورة

هذه الدرجة من عدم المعرفة حول بلد جار تطرح بقوة حسب شهادة باسم مسألة “تشكل السرديات والانطباعات الخارجية عنا في الخارج”، متابعا: “جهلي بما يحدث في ليبيا يعكس هذا، وله علاقة بالعدسة التي تنقل الصورة لمعظم البلاد العربية، وهي عدسة مشروخة وكذابة. وهناك أناس آخرون وعدسة يمكن التلاعب بها”.

باسم يوسف الكوميديّ بدا متصالحا مع التسمية القدحية التي يطلقها عليه منتقدون له أو معارضون (الأراجوز)، بل ومتبنيا لها، مع قوله: “أنا كوميديان ترك الطب ليُضحك الناس، فوجدت نفسي في معمعة أكبر مني عربيا وغربيا”، وتطرق لحديث دائم للبعض حول الحاجة إلى حديث العلماء والدبلوماسيين والسياسيين والأطباء في مثل هذه المناسبات، مع تنبيهه إلى أمر: “لكن صورتنا كعرب ومسلمين عند الآخرين غير جيدة، وهي لا تشكل عبر الأكاديميين والدكاترة، بل عبر وسائل الإعلام؛ والكوميديين والناس غير الجادين، ولا يعرفنا الغرب غالبا عبر الكتب والمراجع، بل كل المعلومات المغلوطة عنا قادمة من الإعلام والترفيه والأفلام التي نعتبرها تفاهة”.

وقدم المتحدث مثالا بفكرة صارت منتشرة في الغرب بسبب المخرج ستيفن سبيلبرغ الذي “صور اليهود يبنون الأهرام، وبسبب فيلم من ساعتين صار هذا تاريخا رسميا في عقول الناس، رغم أن علماء الآثار يعرفون أن بناء الأهرام يسبق وجود اليهود بمصر بقرون”، والأمر ذاته حدث لصورة الإيرانيين في أمريكا، بسبب “مسلسلات وأفلام تزرع صورة نمطية”.

مصدر الصورة

والنتيجة ليست صورة وكفى، بل حياة الناس؛ “فما حدث في فلسطين هو حصيلة بروباغاندا (دعاية) ممنهجة منذ سنين، وما استطاعت القيام به إسرائيل هو نتيجة غسيل دماغ طويل، صنفنا أشرارا ولو دافعنا عن أرضنا، وبأننا نستحق أن يُقتل أبناؤنا داخل منازلنا”، وهو ما حدث من قبل في نموذج آخر: “في أفلام ‘الويسترن’ شجعنا رعاة البقر ضد أصحاب الأرض الهنود الحمر، وأحببنا ممثلا عنصريا مثل جون وين، بسبب البروباغاندا، الممرّرة عبر التسلية”، يورد الفنان ذاته.

وتأسف باسم يوسف لاستمرار رؤية قاصرة للإعلام والفن في العالم العربي على أنهما “تسلية فارغة” ينظر إليها بـ”تعالٍ وكره”، بينما “في الخارج يوجد فن الإسفاف، والفن الجيد، والذي بينهما، ويشكل عقول المجتمعات”، وواصل: “بعد اهتزاز صورة إسرائيل أُعلِنت في ‘كان’ مسلسلات وأفلام ووثائقيات بمئات الملايين لسرد ‘سبعة أكتوبر’ من نظرهم، وتعويض خسائرهم فعلا. ويجري حاليا شراء منصة ‘تيكتوك’ (التواصل الاجتماعي) و’براماونت’ و’إتش بي أو’ (صناعة الأفلام وعرضها تحت الطلب الرقمي)، و’وورنر برادرز’ (صناعة الأفلام وقاعات السينما)… هذه الملايير ليست لمجرد التسلية، بل للسيطرة على ملايين البشر”.

ويحكي المتحدث مفارقات يعيشها مصري صار أمريكيا أيضا: “نحن عرب المهجر رأينا الأمور من الداخل، ونعيش واقعا صعبا، فنحن نعيش في بلاد تستحل دماءنا في بلداننا التي تركناها، وهو ما يتم بأموال ضرائبنا، ونحس بعجزنا، وترسيخ صورة سلبية عنا؛ بل حتى في العالم العربي نستعمل ‘غوغل’ (منصة البحث ) و’أمازون’ (منصة الشراء الرقمي) و’آبل’ (الأجهزة الرقمية والخدمات)… المتواطئة بالكامل مع إسرائيل”.

إذن، ما الذي خلص إليه باسم يوسف؟ يجيب المتدخل في “أيام طرابلس الإعلامية” بأن من الخلاصات أن “كل هذا التخوف والتوجس من ليبيا يأتي من الجهاز المستطيل (الهاتف)… والعدسة المشروخة عمدا، التي صوّرَت الدولة فيلم رعب، بدل تقديمها بلدا له مشاكله”، وزاد: “وأقول هذا بعد 12 ساعة من قدومي لطرابلس، جعلتني خلال وقت قليل أخجل من نفسي، مع ما وجدته من كرم وحب وذوق، كفيل بإعادتي مرة ومرات”.

أما الخلاصة الأخيرة فهي أن “التفاؤل والأمل لا يعنيان أن نغفل عن المحاولات المستمرة للسيطرة على الإعلام والعقول، بل ينبغي الاستثمار في الجذب والتركيز لأن السنوات القادمة صعبة”، خاتما: “سنستمر في الوضع نفسه (نجهل وضع جيراننا) إذا استمررنا في انتظار آخرين ليصوّرونا أخيارا أم أشرارا أم أمواتا أحياء أم هنودا حمرا، وإذا جعلنا كل دورنا هو البحث عن كيف نبدو في عيون الآخرين”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا