آخر الأخبار

كتابان يقاربان سوسيولوجيا الطريق

شارك

في سياق اهتمام متزايد بربط الجامعة بالرهانات المجتمعية، أصدر مختبر التخصصات البينية في العلوم الاجتماعية بجامعة ابن زهر بأكادير كتابين جماعيين جديدين حول حوادث السير والسلامة الطرقية، بإشراف الدكتور زهير البحيري، مدير المختبر. ويمثّل هذان الإصداران خطوة علمية تسعى إلى تطوير فهم سوسيولوجي مركّب للظاهرة الطرقية، خارج المقاربات التقنية أو القانونية التقليدية.

المشروع البحثي الذي أثمر هذين الإصدارين يندرج ضمن رؤية علمية تعتبر أن الطريق في المغرب لم تعد مجرد بنية تحتية للحركة، بل أصبحت مجالًا اجتماعيًا يعكس أنماط السلوك الحضري، والتفاوتات المجالية، واختلالات الولوج إلى الخدمات، ومستوى الثقة في المؤسسات. من هذا المنظور، تُفهم حوادث السير لا كأخطاء فردية معزولة، بل كحصيلة تفاعل بين عناصر متشابكة، من بينها التمثلات الاجتماعية، وتحوّلات الفضاء الحضري، وممارسات التنقل اليومية، وعلاقة المواطن بالقانون.

تشير الدراسات الواردة في الكتابين إلى أن السلامة الطرقية ليست شأنًا عرضيًا، بل تعبّر عن عمق التحولات التي تعرفها المدينة المغربية في بنيتها وأنماط عيشها. وتُظهر المعطيات أن غياب العدالة المجالية في توزيع التجهيزات، والضغط الديمغرافي، وتزايد الهشاشة، كلها عوامل تُسهم في إنتاج ما يُسمى بـ«ثقافة المخاطرة اليومية»، وهي نسق من السلوكيات الفردية والجماعية يجعل من المجازفة أمرًا عاديًا في الفضاء العام.

وتقترح المقاربة المعتمدة تجاوز منطق التحسيس الظرفي، الذي يختزل السلامة الطرقية في حملات موسمية، نحو رؤية شمولية ومستدامة، تُدمج التربية الطرقية في السياسات العمومية، وتربط بين جودة الفضاء العام ومؤشرات الأمان الطرقي، مع التشديد على أهمية تعزيز الثقة في القانون، وتحسين الحكامة المحلية، وجعل الإنصاف المجالي مبدأً موجّهًا في تخطيط المدينة وتوزيع خدمات النقل.

ويؤكد الدكتور زهير البحيري أن هذا العمل ينسجم مع التوجه العام للمختبر، الذي يسعى إلى تعزيز حضور الجامعة داخل محيطها السوسيو-اقتصادي، وتحويل نتائج البحث العلمي إلى أدوات لدعم القرار العمومي. ويعتبر أن الجامعة المغربية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إنتاج معرفة نقدية تطبيقية، تسهم في فهم التحولات الجارية، واقتراح حلول واقعية قابلة للتنفيذ.

ويطمح هذا المشروع إلى فتح أفق جديد لما يمكن تسميته بسوسيولوجيا مغربية للطريق، تُعيد الاعتبار للعلوم الاجتماعية كأداة تحليل وتفسير، وتمنح الباحثين إمكانية المساهمة في تحسين شروط العيش داخل الفضاءات الحضرية. كما يعكس المشروع وعيًا متناميًا بأهمية التداخل بين الحقول المعرفية لفهم ظواهر اجتماعية معقّدة كالسلامة الطرقية، وهي ظواهر تتطلب مقاربات متعددة التخصصات، تجمع بين التحليل النظري والمعاينة الميدانية.

ويُنتظر أن يشكّل هذان الإصداران مرجعًا علميًا لطلبة وخبراء السياسات الحضرية، ولكل الفاعلين المعنيين بتدبير الفضاء العمومي، في أفق بناء تصور مجتمعي جديد للمدينة، يُعيد تنظيم العلاقة بين المواطن، والطريق، والمؤسسة.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا