آخر الأخبار

"ذئاب منفردة".. توقيف "داعشي" بتطوان يعري هشاشة الشباب أمام الإنترنت

شارك

عاد موضوع استقطاب الشباب واليافعين إلى الواجهة بقوة، بعد أن تمكنت مصالح الشرطة بمدينة تطوان، أمس الأربعاء، بتنسيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، من توقيف شاب موالٍ لتنظيم “داعش”، يبلغ 26 سنة، كان في طور الإعداد لتنفيذ مخطط إرهابي وشيك يستهدف النظام العام.

هذا الحادث يعيد بحدة طرح الإشكالية الكبرى حول الأسباب العميقة وراء انجذاب الفئات الشابة إلى مسارات العنف والتطرف، ويطرح السؤال: “كيف تنجح العوامل النفسية والاجتماعية، ولا سيما البيئة الرقمية، في جعل هذه الفئة أكثر عرضة للتعبئة المتشددة وأكثر قابلية للاستغلال من قبل الجماعات الإرهابية؟”.

في تحليله، قال مولاي أحمد صابر، باحث في الشأن الديني والدراسات القرآنية، إن “الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى دراسة معمّقة وبحث دقيق ومعاينة ميدانية تتبع البيانات وتحليلها”.

وأضاف صابر، ضمن تصريح لهسبريس، أنّه “بشكل عام، يمكن القول إنّ الظاهرة تعود إلى مجموعة من الأسباب، في مقدمتها عامل الإنترنت؛ إذ بات معروفا أنّ التنظيمات المتطرفة استثمرت هذا الفضاء منذ زمن طويل لخدمة أجنداتها، سواء في استقطاب الكبار أو متوسطي العمر أو الشباب، ولم تستثن حتى صغار السن، الأمر الذي يجعل الأطفال قبل البلوغ واليافعين معرضين لكل أشكال التعبئة والاستقطاب”.

وأكّد أنّ “مرحلة ما قبل البلوغ أو بداية اليفوع تتسم بطبيعتها بالاندفاع، ويكون الفرد خلالها بصدد تشكيل قناعاته المرتبطة بالانتماء والهوية والدين، وهي أسئلة تؤرقه في هذا العمر، مما يجعل استقطابه وشحنه فكريا أمرا سهلا سواء عبر الإنترنت أو في الواقع داخل محيطه الاجتماعي”.

وأشار الباحث في الشأن الديني والدراسات القرآنية إلى أن “هناك بُعدا نفسيا لا يمكن إغفاله؛ إذ يعيش اليافع حالة من الطيش أو البحث عن الذات، أو ما يمكن وصفه بالعنف الداخلي الهادئ، فيبدأ بالبحث عن طروحات وتصورات تغذي هذه الحالة، وهو ما تستغله التنظيمات المتشددة لتبنيه وتوجيهه وفق خطابها”.

ووضح قائلا: “هذه الفئة العمرية لم تبلغ بعد مستوى النضج الكافي من التحليل والنقد والقدرة على التمييز بين الأولويات، ولا تمتلك الآليات الضرورية لاتخاذ قرارات سليمة، ما يجعلها عرضة للتورط في أعمال تُسخّر لها بدون إدراك حقيقي لأبعادها”.

وختم صابر بأنّ “تأثير بعض الألعاب الإلكترونية على الأطفال، ودفعها البعض نحو الإيمان بالعنف كحل للمشاكل، يوازي إلى حدٍّ ما سهولة استغلال التنظيمات المتشددة لهذا الميل النفسي والسلوكي، وإن كان بأساليب أخرى أكثر خطورة. وهذا في عمومه يوضح طبيعة الظاهرة”.

من جانبه، أوضح إدريس الكنبوري، باحث متخصص في قضايا الفكر الإسلامي، أنه غالبا ما يكون من يُسمَّون “الذئاب المنفردة” من فئة الشباب صغار السن، لأن هذه الفئة هي الأكثر استعمالا لوسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، ولا سيما المواقع ذات الطابع الجهادي. ويرجع ذلك، على حدّ قوله، إلى هشاشة التكوين المعرفي والديني لدى هؤلاء الشباب، وإلى القصف الإعلامي الناتج عن التوترات التي تعرفها المنطقة، مثل قضية فلسطين أو السودان أو غيرهما، مما يؤدي في النهاية إلى شحن نفوسهم بأفكار تدعو إلى الإرهاب والتطرف.

وأضاف الكنبوري، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذه الفئة تتميز بحماس زائد وبغياب القدرة على التحليل المنطقي للأحداث؛ إذ لا تبحث كثيرا في أسباب المشكلات، ولا تمارس تفكيرا عقلانيا أو تحليلا عميقا للقضايا، فتتعامل معها باندفاع وعاطفة. ولذلك، يرى الكنبوري، أن عددا كبيرا من الشباب، ليس في المغرب فقط بل في العالم العربي كله، يصبحون لقمة سائغة في يد الجماعات المتطرفة. فهذه الجماعات تراهن أساسا على الشباب وتحوّلت إلى استغلال شبكات التواصل الاجتماعي، علما بأن أغلب مستخدمي هذه المنصات في العالم العربي هم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما. ولهذا تراهن هذه التنظيمات على هذه الفئة تحديدا لأنها المستهلك الأكبر لمحتواها.

وعن كيفية حماية الشباب، اعتبر الكنبوري أن تقديم توصيات محددة مسألة معقدة، لأن ظاهرة التطرف عالمية ولا تقتصر على الإسلام وحده، بل تمس أيضا ديانات أخرى. واستدل بما يجري في حرب غزة، حيث وصل التطرف باسم الديانة اليهودية إلى مستويات قصوى، كما يظهر من تصريحات بعض المسؤولين الصهاينة الذين يصفون الفلسطينيين بعبارات مهينة ويدعون إلى قتلهم أو استعمال أسلحة فتاكة. وأضاف أن المسيحية بدورها تعرف موجات تطرف، في إطار ما وصفه بـ”الموجة العالمية للصراع الحضاري ذي البعد الديني”.

وشدد الباحث في قضايا الفكر الإسلامي على أنه لا يمكن القضاء على التطرف ما دامت الظروف التي تنتجه مستمرة، معتبرا أن من غير المنطقي الادعاء أن التطرف يمكن أن ينتهي في الوقت الذي يستمر فيه العدوان-على سبيل المثال-ضد الفلسطينيين. ويمكن وضع استراتيجيات للتقليل من حدته بنسبة بسيطة، قد تصل إلى 5 أو 10 في المائة، لكن ستظل 80 أو 90 في المائة من أسبابه قائمة.

وأكد الكنبوري أن الأجهزة الأمنية في العالم العربي تقوم بأدوار مهمة، والمخابرات كذلك، غير أن العمل الأمني وحده لا يقضي على التطرف فكريا، بل يحد منه مرحليا فقط. كما أن العلماء، حين يدخلون في حوارات مع المتطرفين، يجدون أنفسهم عاجزين عن الإقناع، لأن دورهم يقتصر على الخطاب الديني، بينما ليسوا هم من يدبّر الشأن السياسي أو يضع الاستراتيجيات. وبما أن الأسباب العميقة للمشكلات ما تزال قائمة، فإن التطرف، “وبدون أن نكذب على أنفسنا”، سيبقى واقعا قائما، على حدّ تعبيره.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا