كشف الرئيس الحالي لمجموعة البنك الإفريقي للتنمية، سيدي ولد التاه، أن منتدى الاستثمار الإفريقي (AIF) سجّل خلال دورة “Market Days 2025” (أيام السوق)، التي استضافتها العاصمة الرباط للسنة الثانية توالياً، اهتماماً استثمارياً فاق 15,2 مليار دولار أمريكي.
جاء ذلك خلال كلمة ختامية رسمية ألقها ولد التاه، زوال الجمعة بالرباط، وأكد، تحت تصفيقات الحاضرين من مستثمرين وبنكيين وغيرهم من الفاعلين من القارة والعالم، أن “هذا الرقم يعكس الاهتمام الكبير الذي أبداه المستثمرون تجاه الصفقات المعروضة في إطار اجتماعات ‘boardrooms’، التي ضمّت 39 مشروعاً قابلاً للتمويل”.
“العمل الحقيقي يبدأ الآن، ويتمثل في تحويل هذه التعهدات إلى مشاريع ملموسة على الأرض”، يورد رئيس مجموعة “AfDB”، مشيراً في السياق ذاته إلى أن متابعة دقيقة ستُخصص لهذه الاهتمامات الاستثمارية لضمان ترجمتها إلى استثمارات فعلية وتنفيذ المشاريع المعنية.
ومن أبرز ما أعلنه ولد التاه أنّ “المشاريع المعروضة حظِيَت بدعم ومواكبة دراسات الأثر البيئي والاجتماعي، و’دراسات الجدوى’، ونماذج مالية مصاغة بشكل احترافي، وهو ما يفسّر الإقبال القوي للمستثمرين”، حسب توصيفه.
وأضاف المحدث، خلال الجلسة الختامية بحضور وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، وعدد من الوزراء والمسؤولين الاقتصاديين الأفارقة، أن “ثُلثيْ اجتماعات (جلسات غرف المعاملات) خُصّصت لقطاعات محورية يتمتع فيها المغرب والبنك الإفريقي للتنمية بخبرة متميزة؛ تتصدّرها قطاعات الطاقة والنقل”، واعتبر أن اختتام دورة العام 2025 من “AIF” يمثل “انطلاقة جديدة تحمل الكثير من التفاؤل لمستقبل قارتنا ولمسار الاستثمار في إفريقيا”.
بدورها قالت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية: “لم يكن هذا المنتدى مجرد مؤتمر، ولم يكن مجرد حدث عابر، بل كان بمثابة ‘غرفة مُحرّكات’. يومان وضعت فيهما إفريقيا نفسها في وضع التنفيذ، دون مواربة، ودون ذرائع، ودون عُقَد”.
وأضافت فتاح، في نبرة توكيد، خلال كلمتها من منصة الاختتام، أنّ “إفريقيا تنتقل الآن من مرحلة الإمكانات إلى مرحلة القوة”، مردفة: “لم يعد أحد يأتي إلى هنا ليكتشف إفريقيا، ولم يعد أحد يأتي ليقيّم إمكاناتها”، وزادت: “أثبت المنتدى أننا نمتلك الآن المنهجية: مشاريع مُعدة بشكل أفضل، وحاملو مشاريع أكثر هيكلة، مع مؤسسات أكثر صلابة، ورؤية واضحة؛ حيث أنتجت غرف المعاملات حجماً هاماً من النوايا، والأهم أنها نوايا جادة، مدعومة بخرائط طريق، وفرق عمل، ومسؤوليات واضحة. حظيت غرف المعاملات الـ 39 بأكثر من 15 مليار دولار من نوايا الاستثمار”.
وتابعت الوزير لافتة إلى “ثلاثة قطاعات حاسمة: البنية التحتية والربط: الممرات اللوجستية، وشبكات الطاقة، والمنصات الرقمية، وكذا السيادة الإنتاجية: الصناعات الغذائية، والتحويل المحلي، والصناعات الأساسية”، موردة: “نحن ننتقل من قارة مصدرة للمواد الخام إلى قارة خالقة للقيمة، إضافة إلى اقتصادات المستقبل: الرقمية، والتكنولوجيا المالية، والانتقال الطاقي، والمناخ؛ وهي قطاعات ليست إفريقيا فيها تابعة، بل مبتكرة بطبيعتها”.
وواصل فتاح: “لم يكن أي من هذا ممكناً لولا التزام الدول الإفريقية بالإصلاح، والتبسيط، وتعزيز وضوح الرؤية (predictability). إن جودة محفظة المشاريع المعروضة هنا هي ثمرة إصلاحات كانت صعبة في بعض الأحيان، لكنها شجاعة، في كل أنحاء القارة. وقد لعبت مؤسساتنا الإقليمية، والبنك الإفريقي للتنمية، وبنوك التنمية، والصناديق السيادية، دوراً حاسماً؛ فهي تؤمن، وتهيكل، وتجذب المزيد من رأس المال”.
واعتبرت الوزيرة أن “المغرب يمضي بقيادة ملكية حكيمة قدُماً وبسرعة، لكن ليس وحيداً أبداً”، مردفة: “إن مسارنا الوطني لا ينفصل عن مسار القارة. منذ أكثر من عشرين عاماً كان طموحنا واضحاً: أن نكبر مع إفريقيا، ونستثمر مع إفريقيا، وننجح مع إفريقيا. وهذا المنتدى يؤكد أن الرؤية المغربية – إفريقيا واثقة، ومترابطة، وسيدة قرارها – قد أصبحت دينامية قارية”، وتابعت مخاطبة المستثمرين: “أنتم في المكان الصحيح وفي الوقت المناسب، ما ترونه هنا ليس سوقاً ناشئة، إنها قارة صاعدة”، قبل أن تستدرك: “(…) لكن لأكون صريحة: إفريقيا لا تحتاج إلى رؤوس أموال تدخل وتخرج وفقاً للدورات الاقتصادية، إنها تحتاج إلى شركاء يستقرون، ويشاركون في البناء، ويلتزمون على المدى الطويل. وحضوركم المكثف هنا يثبت أنكم مستعدون”.
وخاطبت الوزيرة “رواد الأعمال الأفارقة” قائلة: “أنتم الأبطال الصامتون لهذا المنتدى، أنتم من يأخذ المخاطر الأولى، وأنتم من يخلق الوظائف الأولى، ومَن يطور الحلول الأولى، وبدونكم لا توجد مشاريع، ولا صفقات، ولا تحول؛ أنتم تستحقون كل احترامنا وكل دعمنا”، وختمت: “يُظهر هذا المنتدى إفريقيا التي تتحمل مسؤولية طموحها، إفريقيا التي لا تعتذر، إفريقيا التي لم تعد تفوض ثقتها للآخرين، إفريقيا التي لم تعد تُعرّف بإكراهاتها، بل بحلولها”.
جدير بالتذكير أن نسخة 2025 من المنتدى استضافتها الرباط تحت رعاية سامية من الملك محمد السادس، خلال الفترة من 26 إلى 28 نونبر، متمحورة في نقاشاتها حول: “تقليص الفجوات: تعبئة رأس المال الخاص لإطلاق الإمكانات الكاملة لإفريقيا”.
ويُشرف على تنظيم المنتدى البنك الإفريقي للتنمية إلى جانب ستة شركاء مؤسِّسين هم: البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير (Afreximbank)، المؤسسة المالية الإفريقية، “صندوق Africa50″، البنك العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، بنك تنمية إفريقيا الجنوبية، وبنك التجارة والتنمية.
المصدر:
هسبريس