تتوقّع المندوبية السامية للتخطيط “استمرار أعداد الأجانب المقيمين في المغرب في الارتفاع على المديين المتوسط والبعيد، بفعل اجتماع عدة عوامل، منها الاستقرار السياسي والآفاق الاقتصادية، والموقع الجغرافي الإستراتيجي للمملكة، إضافة إلى دورها الفعّال في التعاون في مجال الهجرة إقليميا ودوليا”.
وأكدت المندوبية، ضمن دراسة حديثة صادرة عنها، أن “هذه الوضعية ستمكّن المغرب من تعزيز مكانته كقطب جذب للهجرة في شمال إفريقيا، خاصة بالنسبة للشباب النشيطين والطلبة ورواد الأعمال”، محذّرة أيضا من “تحديات في تدبير الهجرة والانسجام الاجتماعي وضمان الولوج المنصف للحقوق”.
وكشفت الدراسة عن تفاصيل دقيقة بخصوص الأجانب المقيمين بالمملكة، على ضوء ما خلص إليه الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، إذ يصل عددهم إلى 148 ألفا و152 فردا، ويشكلون 0,4 في المائة من إجمالي الساكنة بالبلاد.
ويوجد الفرنسيون على رأس الأوروبيين المقيمين بالمغرب بنسبة 68 في المائة، في حين يتصدر السوريون حاملي الجنسيات المشرقية بنسبة 41 في المائة، بينما تبلغ نسبة الموريتانيين القاطنين بالمملكة 31,7 في المائة من مجموع حاملي الجنسيات المغاربية، متبوعين بالجزائريين بواقع 31,4 في المائة.
في المقابل يتصدر السنغاليون قائمة المنحدرين من دول جنوب الصحراء بنسبة 30,8 في المائة، متبوعين بالإيفواريين بواقع 28,9 في المائة، ثم الغينيين والماليين، في حين تشكل باقي الجنسيات نسبة 24,2 في المائة.
قالت المندوبية السامية للتخطيط، استنادًا إلى الإحصاء الأخير، إن “تعددية الأصول الوطنية تعكس إعادة تشكيل مشهد الهجرة بالمغرب، إذ يشكل مواطنو إفريقيا جنوب الصحراء، اليوم، النسبة الأكبر من الأجانب بالمملكة، يليهم الأوروبيون، ثم القادمون من بلدان المغرب العربي، ومنطقة الشرق الأدنى”، وأوضحت أن “هذه التعددية الثقافية واللغوية تتيح للمغرب فرصة ثراء اجتماعي واقتصادي، لكنها تطرح في الوقت نفسه تحديات في مجالات تدبير الهجرة، والانسجام الاجتماعي، وضمان الولوج المنصف للحقوق”.
وأكدت المؤسسة ذاتها أيضا “وجود تركّز حضري قوي للأجانب المقيمين بالمغرب، إذ تعيش نسبة 95 في المائة منهم في الوسط الحضري، ما يعكس اختيارهم الاستقرار بالأساس في مناطق ذات إمكانات اقتصادية ومؤسساتية وتعليمية عالية”، وحول التوزيع الجغرافي بيّنت أن “الأجانب المقيمين يتركزون بشكل كبير في الأقطاب الحضرية الكبرى، خصوصًا الدار البيضاء ـ سطات، الرباط ـ سلا ـ القنيطرة، مراكش ـ آسفي، وسوس ـ ماسة، لما تتوفر عليه من نسيج اقتصادي دينامي وبنى تعليمية وخدمات متنوعة، تشكل أهم مجالات الاندماج الاجتماعي والمهني”.
وزادت الجهة نفسها: “تدعو هذه التمركزات الجغرافية إلى إعادة توازن ترابي في سياسات الاستقبال، بهدف تشجيع توزيع أفضل واندماج أنجع في المناطق الصاعدة أو ذات الإمكانيات التنموية”.
وفقًا للمعطيات نفسها تقيم 57,9 في المائة من الأسر الأجنبية في المغرب في شققٍ. وتعكس هيمنة هذا النوع من السكن التركّز القوي للسكان الأجانب في المناطق الحضرية، حيث تُعدّ الشقق أكثر أنواع السكن انتشارًا وسهولة في الولوج، تليها المنازل المغربية العصرية التي تقطنها 24,6 في المائة من هذه الأسر.
أما الفيلات فتمثل نسبة 13 في المائة، “ما يدل على وجود نسبة من الأسر تتوفر على مساكن واسعة وتقع عادة في أحياء سكنية راقية”، وفق المصدر ذاته، مردفا: “كما يعكس هذا النوع من السكن، في الغالب، مستوى معيشة مرتفعًا نسبيًا واستقرارًا أكبر في الإقامة، خصوصًا بالنسبة للأسر المستقرة أو أرباب الأسر الذين يزاولون مهنًا ذات تأهيل عالٍ”.
وعلاقة بموضوع النوع تتسم الساكنة الأجنبية بالمغرب بتفوّق طفيف للرجال، إذ يمثلون 55,9 في المائة مقابل 44,1 في المائة من النساء. وتوضح الدراسة المشار إليها أن “هذا الوضع يعكس تزايدًا ملحوظًا في حضور النساء داخل المسارات الهجرية، في قطيعةٍ مع الأنماط التقليدية التي كانت فيها النساء ممثلات بشكل محدود أو محصورات في منطق التبعية الأسرية”.
وذكر المستند ذاته أن “النزعة نحو التأنيث تبرز بشكل خاص لدى بعض الجنسيات، كما هو الحال لدى الإيفواريات والفلبينيات، اللواتي يمثلن على التوالي 60 و69,7 في المائة من المهاجرين القادمين من ساحل العاج والفلبين”، مفيدا بأن “هذا الحضور النسائي القوي يُعزى أساسًا إلى توفر فرص عمل موجّهة بشكل كبير للنساء، وخاصة في خدمات الرعاية الشخصية مثل رعاية الأطفال، ومساعدة المسنين أو المرضى، إضافة إلى العمل المنزلي”.
المصدر:
هسبريس