آخر الأخبار

الجزائر تقلب "مبادئ فلسطين" للدخول في ترتيبات ما بعد حل نزاع الصحراء

شارك

نصَّبت الدبلوماسية الجزائرية نفسها، خاصة في السنوات الأخيرة، رمزا “مساندا” للصوت الموالي للقضية الفلسطينية، من خلال خطاب يدعم “المقاومة” ويرفض الوصاية الدولية على قضية قال عنها الرئيس الجزائري يوما إنه “يتابعها شخصيا”، بل واتخذت منها منصة لمهاجمة المغرب واتهامه بـ”خيانة” قضايا الأمة، قبل أن يكشف تصويتها على قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الحل في غزة عن وجه آخر لسياسة دولة مستعدة في كل وقت لقلب مواقفها التي تصفها بـ”التاريخية والمبدئية” على ميزان المصالح والتوازنات الدولية.

في قلب مفارقة هذا التصويت، الذي سارع “قصر المرادية” إلى تبريره وفجّر آراء في الداخل الجزائري هاجمت مواقف نظام بلادها الذي كانت قد وقفت معه في قضايا تعاكس أحيانا توجهاتها الإيديولوجية، يرى مهتمون أن هذا التحول لا يمكن فصله عن السياق الاستراتيجي الأوسع، حيث يبدو أن الجزائر تسعى من وراء هذا “الانحراف البراغماتي” إلى إرسال إشارات إيجابية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت تتشبث واشنطن بدعمها القوي للرباط في ملف الصحراء المغربية، خاصة بعد الرهان على تلاشي هذا الدعم في فترة حكم جو بايدن، خصم دونالد ترامب مؤسس القرار الأمريكي، محوِّلة بذلك القضايا الإنسانية التي كانت قد تبنتها إلى أداة لتأمين مصالح استراتيجية بعيدا عن المبادئ التي طالما أعلنتها.

تراجعات تكتيكية

البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن “التصويت الجزائري المؤيد للقرار الأممي رقم 2803 في مجلس الأمن، الذي ينص على خطة للسلام في قطاع غزة ويتضمن إنشاء قوة دولية مؤقتة وإجراءات لنزع السلاح، يُعتبر تملصا مفضوحا من المواقف السابقة والخطاب المعلن للجزائر تجاه القضية الفلسطينية، الذي طالما كان يتغنى بدعم المقاومة ورافضا للوصاية الدولية ولمسارات السلام وغيرها من الشعارات والمواقف غير ذات الأثر المباشر على صيرورة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي”.

وأضاف البراق أن “الدبلوماسية الجزائرية تؤكد من خلال دعمها لقرار دولي يتضمن إجراءات لنزع السلاح في غزة حقيقةَ استغلالها للمواقف السياسية الدولية، حيث عارضت الجزائر الدوائر الدولية بشكل دائم في قضايا جوهرية، ليس التزاما بمبادئ عليا بقدر ما هو خدمة لأجندات ضيقة خاصة بها”، مبرزا أن “هذا التصويت، الذي يتوافق مع خطة أمريكية لإعادة تشكيل المشهد في غزة، يعتبر تضحية بالموقف المبدئي لأغراض براغماتية بحتة، مما يؤكد الشكوك حول دوافعها الحقيقية المرتبطة بمحاولة تقديم خدمات مناولة دبلوماسية في مجلس الأمن لوقف التحولات العميقة التي يجريها المغرب في مواقف القوى الدولية”.

وتابع بأن “المواقف الأخيرة للجزائر في مجلس الأمن، التي تضمنت تحفظات أو تراجعات تكتيكية مقارنة بمواقفها التقليدية، يمكن تفسيرها بأنها محاولة براغماتية لتقديم إشارات إيجابية للولايات المتحدة الأمريكية، مما يشير إلى تحول منهجي في بوصلة السياسة الخارجية الجزائرية، يهدف إلى التقرب من واشنطن سعيا للحصول على دعم جيو-سياسي أو ضمانات استراتيجية في قضايا إقليمية أخرى تهم الدولة الجزائرية، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ المعلنة”.

وشدد المصرّح لهسبريس على أن “اعتماد مجلس الأمن القرار 2797، الذي يعزز المقاربة المغربية للنزاع الإقليمي من خلال تركيزه على الحل السياسي الواقعي والقائم على دعم مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، أحدث تداعيات استراتيجية عميقة على الموقف الجزائري.

وبالتالي، فإن هذه الانعكاسات الدبلوماسية التي تلقتها الجزائر في مجلس الأمن أدت إلى إصابة صانع القرار السياسي في الجزائر العاصمة بحالة من الإرباك، مما أثر على سلوكه الدبلوماسي في تذبذب غير متوقع في العديد من المواقف السابقة في المحافل الدولية”.

إعادة تموقع

من جهته، أوضح سعيد بركنان، إعلامي محلل سياسي، أن “تصويت الجزائر الأخير في مجلس الأمن الدولي حول قرار نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والإشراف الدولي على إدارة القطاع، طرح مجموعة من الأسئلة التي لا يمكن أن نجد أجوبة لها إلا إذا قارَبنا هذا التصويت من خلال سياقات مرتبطة بالأوضاع المتغيرة في شمال إفريقيا وفي الساحل جنوب الصحراء والأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب السياقات الداخلية المرتبطة بمركزية القضية الفلسطينية في خطاب النظام الحاكم في الجزائر”.

وشرح المصرّح لهسبريس أن “التصويت الأخير يمكن أن يُبرَّر بكون الجزائر أصبحت تبني مواقفها من القضايا الإقليمية والدولية بناء على دبلوماسية المصالح، وليس وفق مواقف إيديولوجية صارمة كما كان في عديد مواقفها السابقة التي عرّضتها لمشاكل وتسبب لها في عزلة خانقة في محيطها الإقليمي”، معتبرا أن “هذا التغير في السلوك السياسي للجزائر يمكن أيضا فهمه على ضوء محاولة هذا البلد إعادة تعزيز حضوره في القضايا الإقليمية والقضايا الدولية من خلال مواقف دبلوماسية تنسجم مع التوجهات الأممية”.

وشدد بركنان على أن “قرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية الذي أرسى مبادئ تسوية النزاع المفتعل على أساس خطة الحكم الذاتي، كان له أيضا دور في انقلاب الجزائر على المواقف التي كانت تعتبرها تاريخية ثابتة تجاه دعم قضية فلسطين، خاصة ما يتعلق بدعم الفصائل الفلسطينية”، مؤكدا أن “هناك مشروعا أمميا يحظى بدعم الدول العظمى في العالم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يتعلق بإفراغ المنطقة من الجماعات المسلحة كيفما كانت مرجعياتها وحصر السلاح في يد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فقط”.

وتابع بأن “هذا المشروع بدأ تنزيله بالفعل من خلال القضاء على القوة العسكرية لحزب الله اللبناني والتنظيمات المسلحة في سوريا وتخلي حزب العمال الكردستاني عن الكفاح المسلح، ويأتي الدور الآن على حماس والبوليساريو، حيث إن الحوار الأخير بين أمريكا والجزائر قبل صدور القرار الأخير حول الصحراء كان في هذا الإطار، خاصة في ظل وجود توجه داخل الكونغرس الأمريكي لوضع تنظيم البوليساريو ضمن قائمة الإرهاب التي تهدد استقرار حلفاء واشنطن، ومنهم المغرب”.

وخلص بركنان إلى أن “القوى العظمى أصبحت ترى مستقبل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من زاوية اقتصادية، ولتأسيس هذا المستقبل لا بد من القضاء على الجماعات المسلحة وحصر السلاح في يد الجيوش النظامية”، مبرزا أن “تصويت الجزائر الأخير على القرار بشأن غزة قد تكون له عواقب داخلية؛ إذ يضع النظام في هذا البلد في انتقاد أمام مواقفه وسلوكه السياسي، لكن من المحتمل أن يتم التغلب على ذلك فور اتضاح تفاصيل خطة السلام التي ترعاها واشنطن بين الجزائر والمغرب وكشف آليات عودة الجزائر إلى الواجهة السياسية في المنطقة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا