في تطور لافت قد يعيد رسم خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية، تستعد الولايات المتحدة للموافقة على أول صفقة من نوعها لتصدير رقائق متقدمة إلى شركة “هيوماين” السعودية، المشروع التكنولوجي الذي يحظى بدعم مباشر من صندوق الاستثمارات العامة، ويشرف عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ويأتي القرار المرتقب بالتزامن مع زيارة الأمير إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وقت تتصاعد فيه رهانات المملكة على قطاع الحوسبة كركيزة جديدة لتنويع اقتصادها.
وبحسب مصادر مطلعة نقلت عنها وكالة “بلومبرغ”، فإن الاتفاق يشكل جزءًا من تفاهم ثنائي أوسع بين الرياض وواشنطن حول الذكاء الاصطناعي، يتضمن السماح بتصدير دفعات من الرقائق إلى السوق السعودية بعد نحو عامين من القيود الأمريكية على هذا النوع من التقنيات الحساسة. وتُقدَّر كمية الرقائق المتوقع الموافقة على تصديرها بعشرات الآلاف، في حين تخطط “هيوماين” للحصول على 400 ألف شريحة بحلول عام 2030، وفق ما صرّح به الرئيس التنفيذي للشركة طارق أمين في تصريحات سابقة.
وأكد الرئيس ترامب أن بلاده “تعمل على هذا الملف”، مشيرًا إلى أن الصفقة تشمل “مستويات محددة من الرقائق”، دون تقديم تفاصيل إضافية. وتُعد هذه الخطوة انتصارًا مبكرًا لـ”هيوماين” التي تحاول منذ تأسيسها في مايو الماضي التمركز كمزوّد رئيسي لقدرات الحوسبة في المنطقة، عبر سلسلة من الشراكات مع شركات أمريكية كبرى مثل “إنفيديا”، و”إيه إم دي”، و”كوالكوم”، و”غروك”.
في المقابل، تمثل هذه الصفقة انتعاشًا محتملًا لصناعة الرقائق الأمريكية، في وقت تبحث فيه الشركات عن أسواق جديدة في ظل المنافسة المتصاعدة مع الصين، ومحدودية التوسع في الأسواق التقليدية. غير أن الجانب الأمني لم يكن غائبًا عن المشهد، إذ أعربت واشنطن مرارًا عن مخاوفها من إمكانية تسرب التكنولوجيا إلى الصين عبر دول الخليج.
و”هيوماين”، التي أُطلقت رسميًا خلال زيارة سابقة للرئيس ترامب إلى المملكة، أصبحت تمثّل حجر الزاوية في مشروع ولي العهد الطموح لتأسيس بنية تحتية ضخمة للذكاء الاصطناعي، مع وعود بإنشاء قدرة حوسبية تصل إلى 6.6 غيغاواط بحلول عام 2034. هذه القدرة تعادل تقريبًا ما يطمح إليه مشروع “ستارغيت” الأمريكي الذي تقوده “أوبن إيه آي”، وتكفي لتشغيل نحو خمسة ملايين منزل أمريكي في وقت واحد.
وتستند استراتيجية “هيوماين” إلى مزيج من العناصر التنافسية: كلفة طاقة منخفضة، وفرة في الأراضي، يد عاملة محلية بتكلفة أقل، وحوافز حكومية كبيرة. وقد وقّعت الشركة اتفاقًا مع “بلاكستون” لبناء مراكز بيانات باستثمار أولي يتجاوز 3 مليارات دولار، فيما أعلنت “أرامكو” عن نيتها الاستحواذ على حصة أقلية في المشروع.
وتراهن المملكة على الذكاء الاصطناعي باعتباره مسارًا أوضح من مشاريع أخرى أكثر تعقيدًا، مثل “نيوم”، التي واجهت عقبات تمويلية وتحديات تنفيذية. ويصف بعض المستثمرين “هيوماين” بأنها “نيوم الجديدة”، نظرًا لما تحظى به من زخم سياسي ووضوح تجاري. ومع أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، فإن بعض الشحنات الأولية من الرقائق تنتظر فقط الضوء الأخضر من واشنطن، تمهيدًا لانطلاق العمل الفعلي على مراكز البيانات.
ويؤكد طارق أمين أن لدى شركته القدرة على تقديم خدمات حوسبة بتكلفة تقل بنسبة 30% عن متوسط السوق العالمي، مشيرًا إلى أن المملكة باتت مؤهلة لتكون موطنًا جذابًا للشركات العالمية الباحثة عن طاقة حوسبة ضخمة بأسعار تنافسية. وحتى في حال تأخر وصول الرقائق الأحدث، فإن المشروع لن يتوقف. كما قال أحد شركاء “هيوماين”: “قد تتأخر الرحلة قليلاً، لكن الطائرة ستصل”.
المصدر:
هسبريس