كشفت دراسة حديثة صادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن واقع صادم يعيشه آلاف الشباب المغاربة الذين يلجؤون إلى إنشاء مقاولاتهم الخاصة تحت ضغط البطالة وغياب فرص العمل، لا بدافع الابتكار أو الرغبة في الاستثمار.
هؤلاء “مقاولو الضرورة”، كما تسميهم الدراسة، يجدون أنفسهم في مواجهة جملة من العراقيل التي تحوّل مشاريعهم الصغيرة إلى كيانات هشة محاصرة بالمساطر البيروقراطية والأعباء الجبائية وضعف التمويل.
الدراسة، التي أعدها المجلس بطلب من مجلس المستشارين وصادق عليها بالإجماع يوم 30 يناير 2025، أكدت أن أكثر من 98% من المقاولات المهيكلة في المغرب تنتمي أصلا إلى فئة المقاولات المتناهية الصغر والصغيرة جدا والصغرى، وهو رقم يعكس حجم هذه الكتلة داخل الاقتصاد الوطني؛ لكن ورغم هذا الثقل العددي، يظل حضورها الاقتصادي ضعيفا ومردوديتها محدودة.
وتبرز الدراسة أن جزءا كبيرا من هذه المقاولات أُسس تحت ضغط الحاجة وليس داخل بيئة ريادة أعمال صحية، حيث إن العديد من المغاربة يجدون أنفسهم أمام خيارين: البطالة أو إنشاء مقاولة صغيرة لتأمين حد أدنى من الدخل؛ إلا أن هذا الخيار يتحول في الواقع، حسب التقرير، إلى “فخ” طويل الأمد بسبب هشاشة البنية الداخلية لهذه المشاريع وصعوبة مواصلة نشاطها.
وتظهر معطيات التقرير أن المقاولات الصغيرة تواجه بيئة أعمال معقدة وغير ملائمة؛ فمن جهة، تعترضها مساطر إدارية ثقيلة وطول آجال الأداء، ومن جهة أخرى تتحمل أعباء جبائية تفوق قدرتها، ما يضعف هامش ربحها ويقلّص فرص نموها.
كما تشتكي هذه المقاولات من منافسة غير مشروعة من القطاع غير المهيكل، الأمر الذي يضغط على قدرتها على الاستمرار في السوق، إضافة إلى صعوبات في الولوج للصفقات العمومية والتصدير.
وفي الجانب الداخلي، رصد المجلس ضعفا كبيرا في الكفاءات التدبيرية، وغيابا للابتكار والتخطيط، فضلا عن ضعف في الرقمنة، مما يجعل عددا من المشاريع غير قادرة على مواكبة متطلبات الأسواق الحديثة.
وأشار التقرير إلى أن عددا كبيرا من المقاولات الصغيرة لا يتوفر إلا على الحد الأدنى من شروط التسيير، وأن العديد منها ينشأ بدافع النجاة الاقتصادية أكثر مما ينشأ انطلاقا من رؤية استراتيجية.
وتشير الدراسة إلى أن سنة 2024 وحدها سجلت 15 ألفا و658 حالة إفلاس وتعثر، معظمها يخص المقاولات الصغيرة جدا، ما يعكس حجم الهشاشة التي يواجهها هذا النسيج المقاولاتي.
ولمواجهة هذا الوضع، أوصى المجلس بإصدار قانون خاص بالمقاولات الصغيرة (Small Business Act) لتجميع التدابير العامة في إطار واحد، وتطوير آليات التمويل المواكِبة لحاجيات هذه الفئة، إضافة إلى إصلاح مساطر الاستثمار والرقمنة وتعزيز التكوين المقاولاتي.
وخلص التقرير إلى أن دعم مقاولات الضرورة يتطلب إرادة سياسية قوية ومقاربة شمولية تضع حدا لواقع “السحق” الإداري والجبائي الذي يجعل آلاف الشباب يدخلون عالم ريادة الأعمال من باب الأمل، ليجدوا أنفسهم في مواجهة واقع مرير يعطل إمكانيات التطور والاندماج الاقتصادي.
المصدر:
العمق