في خطوة وصفت بـ”التاريخية” و”نقطة تحول” في موازين القوى الإقليمية، يدرس المغرب بجدية إمكانية اقتناء 32 مقاتلة شبح أمريكية من طراز F-35، في صفقة ضخمة تقدر قيمتها بحوالي 17 مليار دولار.
هذه الخطوة، إن تمت، لن تجعل المغرب أول دولة عربية وإفريقية تشغل هذا الطراز فائق التطور فحسب، بل ستضع قدراته العسكرية في مستوى جديد يثير اهتماما وقلقا بالغين لدى جيرانه، وعلى رأسهم إسبانيا.
وفقا لتقارير إعلامية إسبانية، فإن الأوساط العسكرية والسياسية في مدريد تتابع عن كثب هذه التطورات، حيث لا ينبع القلق فقط من حجم الصفقة، بل من القدرات التقنية غير المسبوقة التي ستوفرها طائرات F-35 للقوات الجوية الملكية المغربية.
وتشير المصادر الإسبانية إلى أن تقنيات التخفي المتقدمة التي تتميز بها هذه المقاتلات تمنحها القدرة على اختراق معظم أنظمة الرادار الحالية، بما في ذلك تلك المنتشرة في جنوب إسبانيا.
وهذا يعني أن هذه الطائرات ستتمكن من الاقتراب من المجال الجوي لجزر الكناري، ومراقبة سماء مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، وتنفيذ مهام استطلاعية أو هجومية بسهولة أكبر من أي وقت مضى، مما يمثل تغييرا جذريا في المعادلة الأمنية بين البلدين.
ولا يمكن فصل هذا التوجه المغربي عن سياق سباق التسلح في منطقة شمال إفريقيا. ففي الوقت الذي عززت فيه الجزائر أسطولها الجوي بطائرات روسية حديثة من طراز “سوخوي”، يبدو أن المغرب يراهن على التفوق النوعي والتكنولوجي بدلا من التفوق العددي.
أقرأ أيضا: تصل قيمتها إلى 17 مليار دولار.. إسرائيل تمنح أمريكا الضوء الأخضر لبيع F-35 للمغرب
ويؤكد خبراء عسكريون، بحسب المصادر الإسبانية، أن قوة الـ F-35 لا تكمن في قدرتها على حمل الصواريخ والقنابل فحسب، بل في كونها “عقلا إلكترونيا طائرا”. فهي مصممة للعمل ضمن شبكات قتالية متكاملة، حيث يمكنها جمع وتحليل ومشاركة البيانات مع الوحدات الجوية والبرية والبحرية في الوقت الفعلي، وتنفيذ هجمات دقيقة من خارج مدى الرؤية، وهو ما يمنحها تفوقا استراتيجيا حاسما في أي نزاع حديث.
ويدعم هذا الطموح المغربي تخصيص ميزانية دفاعية قياسية من المتوقع إدراجها في قانون مالية 2026، والتي تصل إلى حوالي 17 مليار دولار (157.170 مليون درهم).
هذا الرقم، الذي يمثل 3,4% من الناتج الداخلي الخام للمغرب، يتجاوز بشكل كبير متوسط الإنفاق الدفاعي الأوروبي (حوالي 1,9%)، ويعكس إصرار المملكة على تحديث شامل لترسانتها العسكرية.
وفي المقابل، تبدو الاستراتيجية الإسبانية مختلفة تماما. فبعد أن أبدت اهتماما سابقا بالـ F-35، قررت مدريد في غشت 2025 تعليق أي خطط للشراء، مفضلة التركيز على دعم الصناعة العسكرية الأوروبية من خلال تطوير طائرات “يوروفايتر” والتخطيط للوصول إلى الجيل السادس من المقاتلات الأوروبية (FCAS) بحلول عام 2040.
ويضع هذا التباين في القرارات، إسبانيا في موقف دفاعي محتمل، حيث قد تجد نفسها في المستقبل القريب في مواجهة جارة جنوبية تمتلك تكنولوجيا جوية تتفوق على ما لديها.
وتأتي هذه الصفقة المحتملة تتويجا للعلاقات الاستراتيجية المتنامية بين الرباط وواشنطن. فالولايات المتحدة تعد المورد الرئيسي لأكثر من 60% من واردات الأسلحة المغربية، وتعتبر المغرب حليفا رئيسيا خارج حلف الناتو.
وستكون الموافقة على بيع طائرات F-35، التي لا تمنحها واشنطن إلا لأقرب حلفائها، بمثابة رسالة سياسية قوية تعزز مكانة المغرب كقوة إقليمية محورية وتسهم في تحقيق طموحاته لضمان أمنه القومي وتأكيد سيادته الاستراتيجية.
المصدر:
العمق