في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تتواصل فصول ما بات يعرف بـ”فضيحة سرقة المياه الجوفية بواحة تيدسي، إقليم تارودانت”، وسط معطيات جديدة تشير إلى تحركات غير عادية لعدد من المسؤولين المحليين بمشرع العين ودائرة أولاد تايمة، ساعات فقط قبل وصول لجنة مختلطة يوم غد الثلاثاء لمباشرة تحقيقاتها الميدانية في الملف.
مصادر خاصة لجريدة العمق المغربي كشفت أن هذه التحركات تمت بمشاركة “ع. ص”، مالك البقعة الأرضية التي حُفر فيها أحد الآبار بتيدسي، والموقع على إحدى “الاتفاقية المزعومة” بينه وبين جماعة المهادي، مضيفة أن الوفد قام بزيارة بئر أخرى في المنطقة نفسها، تعود ملكيتها إلى “م. ب” الذي كان يخطط بدوره لنقل مياهها لضيعات فلاحية في ملكية فلاح ورجل أعمال نافذ بجهة سوس ماسة.
وتزامنت هذه التحركات مع استعداد لجنة مختلطة، تضم ممثلين عن وكالة الحوض المائي ومديرية التجهيز والماء والسلطات المحلية والإقليمية، للانتقال إلى عين المكان من أجل مباشرة تحرياتها حول ما وصفته فعاليات مدنية بـ“سرقة المياه الجوفية”، واستغلالها لأغراض خاصة خارج أي إطار قانوني أو ترخيص إداري.
وبالموازاة مع ذلك كشفت نفس المصادر، أن أحد المسؤولين البارزين بجهة سوس ماسة، حاول الاتصال بأعضاء إحدى الهيئات المحلية لحثها على الإدلاء بتصريحات مناقضة للمعطيات الميدانية التي سبق أن كشفتها جمعيات محلية في تصريحات صحفية ومراسلات للسلطات الاقليمية والولائية، والتي تؤكد أن دواوير جماعة المهادي لم تستفد إطلاقا من المياه المنقولة من تيدسي، رغم ما تضمنته الوثائق الرسمية من إشارات إلى اتفاقية لتزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب.
ويشار إلى أنه عقب التقرير الذي نشرته جزيرة العمق المغربي حول الموضوع تحت عنوان “العطش يهدد مئات الأسر بنواحي أولاد تايمة وسط اتهامات لفلاحين كبار بـ”سرقة المياه الجوفية””، أصدر رئيس جماعة المهادي بيانا، نفى فيه بشكل قاطع توقيعه على أي اتفاقية مع أي طرف بتيدسي، غير أن وثائق رسمية حصلت عليها الجريدة، من بينها مراسلتان صادرتان عن وكالة الحوض المائي ووزارة التجهيز والماء، تشيران صراحة إلى وجود اتفاقية مبرمة بين الجماعة المذكوة وأحد الخواص بتيدسي، وتنص على حفر بئر بغرض تزويد ساكنة المهادي بالماء الشروب.
وتوضح إحدى هذه المراسلات، الصادرة بتاريخ 7 مارس 2024 عن وكالة الحوض المائي بسوس ماسة، أن البئر موضوع الشكاية أنجز بناء على ترخيص رسمي رقم (4043/2023) بتاريخ 28 مارس 2023، وبعمق 200 متر، مع تجهيزات حديدية ومضخة غاطسة، كما أشارت إلى أن القناة الناقلة تمر بالطريق الرابطة بين ملتقى الطرق المؤدية إلى مزارع الخواص، مؤكدة أن المعني بالأمر دخل في اتفاقية مع جماعة المهادي لتزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب.
أما المراسلة الثانية، الصادرة عن وزارة التجهيز والماء بتاريخ 3 فبراير 2024، فقد أكدت المعطيات نفسها، موضحة أن العملية تدخل ضمن المساعي الرامية لإيجاد حلول لتزويد بعض الجماعات القروية التابعة لدائرة أولاد تايمة بالماء الشروب، لكنها في الوقت نفسه شددت على أن الأمر يتطلب التحقق من سلامة المساطر القانونية والتنفيذية المرتبطة بالاتفاقية.
وأوضحت ذات الجمعيات في بيانها الموجه لوالي جهة سوس ماسة سعيد أمزازي، أن عملية نقل المياه من واحة تيدسي نحو المهادي تمت خارج أي إطار قانوني أو إداري، ودون ترخيص من الجهات المعنية، محذرة من استمرار هذا الوضع الذي وصفته بـ”الخطير والمهدد للتوازن المائي والبيئي بالمنطقة”.
وأبرزت أن ما يجري يشكل “استغلالا غير مشروع للمياه الجوفية” من طرف أشخاص ذاتيين، بهدف سقي ضيعات فلاحية خاصة، مشيرة إلى أن جهاز المراقبة المحلي والجمعيات المائية المكلفة بالتدبير لم تتوصل بأي إشعار رسمي أو اتفاق قانوني يجيز هذه العملية.
البيان ذاته الذي توصلت جريدة العمق المغربي بنسخة منه، شدد على أن ما يسمى “اتفاقية الشراكة” التي يتم تبرير العملية بها لا تستند على أي أساس قانوني، ولم توقع في إطار مؤسساتي أو جمعوي معترف به، ما يجعلها، بحسب نص البيان، “باطلة من حيث الشكل والمضمون”، ويدخل ضمن ما اعتبرته جمعيات المنطقة “تحايلا على القانون بغرض سرقة المياه الجوفية الخاصة بواحة تيدسي وتحويلها لأغراض خاصة”.
وأضافت الجمعيات أن هذا السلوك يشكل “خرقا صريحا لمقتضيات القانون 36.15 المتعلق بالماء”، لما له من انعكاسات سلبية على التوازن البيئي والاقتصادي بالمنطقة، في ظل تراجع الفرشات المائية وتزايد الضغط على الموارد الطبيعية.
وطالبت الفعاليات الموقعة على البيان السلطات الإقليمية والجهوية بالتدخل لوقف هذه الممارسات فورا، وفتح تحقيق نزيه لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات القانونية، داعية إلى مراجعة الاتفاقيات المبرمة بين جماعة المهادي والخواص والتأكد من قانونيتها، وحماية المياه الجوفية باعتبارها “ثروة وطنية ومصدر حياة لساكنة الواحة”.
وختمت الجمعيات بيانها بالتعبير عن استنكارها الشديد لما وصفته بـ”الاستهتار بالقوانين المنظمة للماء”، مطالبة بوقف الاستغلال الفلاحي غير المشروع، وتمكين الساكنة المحلية من الاستفادة من المياه في إطار مشروع تنموي منصف ومستدام.
وكانت العمق المغربي قد نشرت في وقت سابق تقريرا مفصلا حول القضية، استند إلى شهادات عدد من سكان وفاعلين مدنيين بجماعتي تيدسي والمهادي، طالبوا فيه بفتح تحقيق عاجل في ما وصفوه بالسرقة المنظمة للمياه الجوفية، مؤكدين أن العملية تمت دون ترخيص قانوني ودون إشعار الجهات الوصية.
وحذرت هذه الفعاليات المدنية من “الانعكاسات البيئية والاقتصادية الخطيرة” لهذه الممارسات على الفرشة المائية بالمنطقة، معتبرة أن ما يجري يمثل خرقا واضحا لمقتضيات القانون 36.15 المتعلق بالماء، في وقت تعاني فيه الساكنة من انقطاعات متكررة لمياه الشرب وصلت إلى ثلاثة أيام متواصلة في بعض الدواوير.
وتطالب فعاليات المجتمع المدني السلطات الإقليمية والجهوية بفتح تحقيق نزيه وشامل لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات القانونية، مع مراجعة الاتفاقيات المبرمة بين الجماعات المحلية والخواص، لضمان حماية الموارد المائية باعتبارها ثروة وطنية ومصدر حياة للواحات والمجالات القروية.
المصدر:
العمق