أكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اليوم الاثنين بمجلس النواب، أن الأقاليم الجنوبية للمملكة تعرف “طفرة تنموية غير مسبوقة”، مبرزا أن الدينامية التنموية والاستثمارية “شاملةٌ لمختلف المجالات، خاصة تطوير شبكة البنيات التحتية الطرقية، التي انتقلت من أقل من 70 كيلومترا إلى أزيد من 4000 كيلومتر في الصحراء المغربية”.
واستحضر أخنوش، متحدثا أمام النواب خلال الجلسة الشهرية المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة حول موضوع: “السياسة العامة المتعلقة بالتنمية والاستثمار بالأقاليم الجنوبية للمملكة”، أن “الديناميات التنموية في الأقاليم الجنوبية للمملكة تُبرز بالملموس وجاهة الاختيارات الملكية”، خاصة بعد إقرار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية الذي يتوخّى “وضع الإنسان في صلب أولوياته”.
هذا النموذج التنموي يعكس، في تقدير أخنوش، “رؤية استشرافية للتنمية الجهوية المندمجة والمستدامة، كما يؤمّن مساهمة الفاعلين المحليين في البرامج والسياسات الترابية على مستوى الجهات الجنوبية الثلاث”، وهو “نموذج مبتكر يشتمل على محاور رئيسية كانت لها آفاق واعدة في تطوير البنية التحتية والمرافق الأساسية، وفي جلب الاستثمارات وخلق فرص الشغل بتكلفة مالية أولية لا تقل عن 77 مليار درهم”.
وشدد رئيس الحكومة على أنه “منذ تنصيب الحكومة الحالية، تم العمل على تسريع تنفيذ مختلف المشاريع المرتبطة بهذا النموذج التنموي، الذي يشكل دعامة حقيقية لتحقيق تحولات تنموية انتقالية بأقاليمنا الجنوبية”.
استهل أخنوش كلمته بالتعبير عن التقدير والإشادة بتفضّل الملك محمد السادس بجعل يوم 31 أكتوبر من كل سنة عيدا وطنيا جديدا باسم “عيد الوحدة”، وقال إن ذلك جاء “اعتبارا للتحول التاريخي الذي عرفته قضية الصحراء المغربية، الذي يكرس الوحدة الوطنية والترابية الراسخة”.
وأضاف: “هذا العيد الوطني يخلد جزءا يسيرا من مسيرة جلالة الملك، القائد المُلهِم الذي تجسدت فيه المواقف الوطنية الشجاعة، التي جعلت من بلدنا نموذجا يحتذى به في الاستقرار والتقدم والدفاع عن السيادة، ورسالة عن وحدة الشعب المغربي بكل قواه الحية وتجنده وراء القيادة الملكية الحكيمة”.
وأوضح أخنوش أن “عيد الوحدة يعني أيضا إيثار مصالح الوطن على ما عداه من المصالح، فالوطن يعلو ولا يعلى عليه”، موردا: “هذا العيد لا يعني فقط لحظة إجماع وطنية، بل يجسد المعنى الحقيقي لسياسة مد اليد للأشقاء في الجوار الإقليمي لبناء مغرب كبير قوي ومزدهر وطيّ صفحة الماضي”.
في تفاصيل المشاريع الاستثمارية بأقاليم الصحراء المغربية، توقّف أخنوش عند مشروع الطريق السريع تزنيت-الداخلة “باعتباره أحد أبرز المشاريع الملكية المهيكلة”، يمتد على طول 1100 كيلومتر، بتكلفة إجمالية تناهز 10 مليارات درهم. وأوضح أن هذا المشروع الاستراتيجي “سيمكن أزيد من 2.5 مليون مواطن من سكان الأقاليم الجنوبية من الاستفادة المباشرة منه، مما سيعزز اندماج هذه المناطق في الدورة الاقتصادية الوطنية”.
وزاد المسؤول الحكومي أن “الطريق السريع إضافة نوعية في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لتوفيرهِ انسيابية التنقل بين شمال المملكة وجنوبها، وإسهامه في تعزيز الروابط بين المغرب وعمقه الإفريقي، انسجاما مع الرؤية الملكية الرامية إلى جعل الأقاليم الجنوبية جسرا للتعاون الإقليمي والإفريقي”.
وأشار أخنوش إلى مواصلة حكومته “تنفيذ مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يُعد من أهم مشاريع البنية التحتية المهيكلة في الجنوب المغربي”، وأفاد بأن “التكلفة الاستثمارية فاقت 13 مليار درهم، مع نسبة تقدم الأشغال بلغت حوالي 42%”، مؤكدا أن هذا المشروع يجسد الإرادة الملكية في “جعل الداخلة قطبا بحريا رائدا ومركزا للحركية الاقتصادية والانفتاح الاستراتيجي للمغرب نحو إفريقيا”.
واسترسل قائلا: “ميناء الداخلة الأطلسي سيضطلع بأدوار محورية في خلق فرص الشغل واستقطاب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، فضلا عن مساهمته في إطلاق دينامية ترابية جديدة تجمع بين التنمية الاقتصادية المنتجة وفرص الشغل والإشعاع القاري والدولي للمملكة”.
في السياق ذاته، كشف أخنوش جديدَ ما تشهده الأقاليم الجنوبية في مجال الطاقات المتجددة، موردا أن “المغرب اختار سبعة مشاريع كبرى لإنتاج الهيدروجين الأخضر بطاقة إجمالية تصل إلى 20 جيغاواط، باستثمارات تفوق 36 مليار دولار، معظمها يتركز في جهتي الداخلة-وادي الذهب والعيون-الساقية الحمراء”، ما سيبوئ جنوب المملكة “مركزا استراتيجيا لإنتاج مشتقات الهيدروجين الأخضر، مثل الأمونياك والوقود النظيف والفولاذ الأخضر، ويقوّي تموقع المغرب كفاعل رئيسي في التحول الطاقي العالمي”.
وذكر رئيس الحكومة أن هذه المشاريع تندرج “في إطار الطفرة التنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية في مجال الطاقات المتجددة، ضمن خطة التجهيز الكهربائي 2025–2030، بقدرة إجمالية للمشاريع الجارية تفوق 1400 ميغاواط، باستثمارات تتجاوز 15 مليار درهم”، وأن “الطاقات المتجددة تمثل حاليا نحو 77% من إجمالي القدرة الإنتاجية بهذه الجهات”.
وتابع: “المكتب الشريف للفوسفاط بدوره ينفذ برنامجا صناعيا ضخما بموقع فوسبوكراع بالعيون يمتد إلى غاية سنة 2026، يشمل توسعة المنجم، وإنشاء مَغسلة جديدة ومركب للأسمدة والكيماويات، في خطوة تعزز الدور الصناعي للأقاليم الجنوبية في الاقتصاد الوطني”.
كما نوّه إلى “مشروع الميناء الفوسفاطي الجديد بالعيون، الذي رُصدت له ميزانية تناهز 7.982 مليون درهم، بلغت نسبة إنجازه 93%”، مبرزا أن “المجمع الشريف للفوسفاط يعتمد بنسبة 99% على الطاقة الريحية، ويستعمل المياه المحلاة بشكل كامل، في انسجام تام مع التوجه الوطني نحو التنمية الصناعية المستدامة في الصحراء المغربية”.
وبحسب أخنوش، فإن هذه “الاستثمارات الكبرى في مجالات الهيدروجين الأخضر والطاقات النظيفة والصناعة المستدامة تشكل ترجمة عملية للرؤية الملكية الرامية إلى جعل الأقاليم الجنوبية فضاء اقتصاديا متكاملا، ومحركا رئيسيا للتنمية المندمجة والمستقبل الأخضر للمملكة”.
خلال المرور الشهري أمام نواب الأمة، أكد رئيس الحكومة أن الأقاليم الجنوبية للمملكة تعرف طفرة نوعية في تأهيل وتوسيع بنياتها الصحية، تجسيدا للرؤية الملكية الرامية إلى دمقرطة الحق في الصحة وضمان الكرامة الإنسانية لجميع المغاربة.
وأبرز أخنوش، خلال الجلسة الشهرية المخصصة لموضوع “تنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة”، أن الحكومة “تسابق الزمن لإطلاق مجموعة من الأوراش والبرامج الصحية في مختلف جهات المملكة”، مشيرا إلى تسجيل الجهات الجنوبية “تقدما ملموسا في تأهيل البنيات التحتية الصحية”، عبر مشروع إعادة تأهيل أكثر من 104 مؤسسات للرعاية الصحية الأولية، موزعة على جهات كلميم–واد نون، العيون–الساقية الحمراء والداخلة–وادي الذهب.
وأردف قائلا إن “أشغال إعادة التأهيل انتهت في 87 مؤسسة صحية، فيما تتواصل الأشغال في 17 أخرى، مما يعكس حرص الدولة على تقريب الخدمات الصحية من المواطنين وتحسين ظروف الولوج إلى العلاج، في إطار العدالة المجالية وتكافؤ الفرص”، مذكرا بـ”تقدم الأشغال في إنجاز مستشفيَيْن جامعيين كبيريْن بالأقاليم الجنوبية، يندرجان ضمن الجيل الجديد من البنيات الصحية المتكاملة”.
الأول هو المستشفى الجامعي للعيون، بطاقة استيعابية تبلغ 500 سرير وبكلفة إجمالية تصل إلى 2 مليار و360 مليون درهم، ومن المنتظر افتتاحه قبل متم السنة الجارية. الثاني هو المستشفى الجامعي لكلميم بطاقة 500 سرير وبتكلفة تناهز 2 مليار درهم، “يرتقب استكماله في نهاية سنة 2026”.
وأكد رئيس الحكومة أن المستشفييْن معا “سيشكلان دعامة أساسية لتكوين الأطر الطبية ودعم البحث العلمي في الميدان الصحي بالجنوب، بما يعزز إشعاع الأقاليم الجنوبية كمجال حيوي للتنمية الصحية والعلمية”.
وتشهد الجهات الجنوبية توسعا متواصلا في العرض الصحي بالمشاريع الجهوية والمحلية، من بينها “المستشفى الإقليمي بطرفاية بطاقة 70 سريرا، والمستشفى الإقليمي بسيدي إفني بطاقة 120 سريرا، ومستشفى القرب بالإقليم نفسه بطاقة 45 سريرا، علاوة على المستشفى الجهوي بالداخلة بطاقة 80 سريرا، فضلا عن مصلحتين للأمراض النفسية بكل من كلميم والداخلة بطاقة 30 سريرا لكل واحدة”.
كما شدد رئيس الحكومة على “تطلّع الأقاليم الجنوبية في أفق سنة 2027 إلى تعزيز شبكتها الصحية بإحداث مؤسسة محمد السادس للعلوم الصحية، التي ستضم مركبا صحيا جامعيا متكاملا بالداخلة بطاقة استيعابية تبلغ 300 سرير، وهو ما من شأنه ترسيخ مكانة المنطقة كقطب طبي جامعي متقدم على الصعيدين الجهوي والوطني”.
المصدر:
هسبريس