بعث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، رسالة رسمية إلى زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، ردا على ما تسميه الجبهة “المقترح الموسع” الذي قدمته مؤخرا للأمم المتحدة. تأتي هذه المراسلة في ظرف استثنائي يطبع المرحلة التي تلت صدور قرار مجلس الأمن الأخير بشأن قضية الصحراء المغربية.
في هذا الصدد، أكد غوتيريش في رسالته ضرورة الالتزام بالمسار السياسي الواقعي والعملي الذي ترعاه المنظمة الأممية، بما يضمن تهيئة الظروف الملائمة لاستئناف العملية السياسية تحت إشراف مبعوثه الشخصي ستافان دي ميستورا.
وشدد الأمين العام للأمم المتحدة على أهمية استثمار الدينامية التي أفرزتها مناقشات مجلس الأمن من أجل الدفع نحو حل متوافق عليه، مشيرا إلى أن “المساعي الأممية تظل منصبة على تحقيق تقدم ملموس يفضي إلى تسوية دائمة تضمن الأمن والاستقرار في المنطقة، من خلال الحوار الجاد والالتزام بروح الواقعية والمسؤولية”.
ويرى مراقبون أن مراسلة المسؤول الأممي بمثابة تذكير للأطراف بضرورة الانخراط في رؤية الأمم المتحدة القائمة على الحل السياسي الواقعي المبني على التوافق، في انسجام تام مع القرارات الأممية الأخيرة التي أشادت بالجهود الجدية وذات المصداقية التي يبذلها المغرب، كما تعكس هذه الخطوة، بحسبهم، “حرص الأمانة العامة للأمم المتحدة على الحفاظ على مناخ إيجابي يدعم الحكم الذاتي باعتباره الإطار الأنجع لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية”.
بهذا الخصوص، قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكاووتش” المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان، إن المراسلة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة إلى زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي جاءت في سياق توضيحي بعد اعتماد مجلس الأمن قراره رقم 2797، لتذكير الجبهة بمضمون الالتزامات الدولية، ودعوتها إلى الانخراط الفعلي في المسار السياسي الرامي إلى إيجاد حل دائم للنزاع حول الصحراء المغربية.
وأكد الكاين، في تصرح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الرسالة تحمل في جوهرها دلالة سياسية قوية، باعتبارها تعبيرا صريحا عن توجه الأمم المتحدة نحو دعم الرؤية الواقعية التي تضع الحكم الذاتي في صلب أي تسوية سياسية ممكنة.
وأوضح أن قوة القرار الأممي الأخير تكمن في وضوح لغته وتحديده للمرجعيات التي ينبغي أن يستند إليها الحل السياسي، وهو ما جعل مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 الإطار الأكثر جدية ومصداقية لتجاوز النزاع المفتعل. وأبرز أن المجتمع الدولي بات يعي أن استمرار الجمود يخدم أطرافا محدودة المصالح، ويهدد الأمن الإقليمي ويفتح الباب أمام توترات جديدة في منطقة الساحل والصحراء.
وشدد المتحدث على أن تعامل الأمم المتحدة مع الملف، من خلال هذه المراسلة، يعكس إرادة حقيقية لوضع حد لخطاب المناورة والتصعيد، وإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات تحت إشراف المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا، لافتا إلى أن “المرحلة المقبلة ستكون اختبارا جديا لمدى استعداد جبهة البوليساريو والجزائر للالتزام بالقرارات الأممية، بعيداعن محاولات الهروب إلى الأمام وافتعال الأزمات الميدانية”.
وأشار نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية إلى أن “موقف المملكة المغربية، الذي رحب بقرار مجلس الأمن، يمثل استعادة للشرعية الدولية وترسيخا لمقاربة الحلول الواقعية التي تنسجم مع مبادئ القانون الدولي”، موردا أن “المغرب يواصل نهجه القائم على التعاون مع الأمم المتحدة، والانخراط في جهود التنمية والاستقرار بالأقاليم الجنوبية، في مقابل تمسك الأطراف الأخرى بخطاب الانفصال الذي تجاوزته المؤسسات الدولية منذ سنوات”.
“الانخراط في مسار تفاوضي جدي وشفاف، بحسن نية وبدون شروط مسبقة، أصبح ضرورة ملحة لتهيئة المناخ المناسب للحوار حول مشروع الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة المغربية”، يضيف المهتم بالنزاع قبل أن يضيف أن “مصير بعثة المينورسو سيظل مرتبطا بمدى التزام الأطراف بمقتضيات القرارات الأممية وتقدم العملية السياسية، وليس بمواقف أحادية أو تأويلات متناقضة”.
وفي هذا السياق، يرى الكاين أن رسالة الأمين العام للأمم المتحدة إلى زعيم جبهة البوليساريو تُعد رسالة تذكير بضرورة العودة إلى روح التهدئة واحترام وقف إطلاق النار، وأن أي خرق لذلك سيُنظر إليه كتهديد مباشر للسلم والأمن الدوليين، وليس مجرد تجاوز ميداني، مشيرا إلى أن “استمرار التصعيد لن يخدم سوى إضعاف موقع البوليساريو والجزائر داخل المنظومة الأممية، في حين يواصل المغرب كسب ثقة المنتظم الدولي بفضل واقعيته ووضوح رؤيته السياسية”.
مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، قالت إن القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي بشأن نزاع الصحراء المغربية يشكل انعطافة جذرية في مسار هذا الملف، لما يتضمنه من إشارات إيجابية تعيد قراءة القانون الدولي المتعلق بفض النزاعات بطرق سلمية، وتتجاوز المقاربات التقليدية الضيقة التي ظلت تراهن على خيار تقرير المصير المفضي إلى الانفصال.
وأوضحت لغزال، ضمن تصريح لهسبريس، أن القرار الجديد يُعد انتصارا لشرعية الموقف المغربي في بسط سيادته على أقاليمه الجنوبية واستكمال مسيرته التنموية، كما يفتح آفاقا رحبة لبناء تكتل إقليمي متماسك يضمن لشعوب المنطقة الكرامة والتنمية والولوج إلى الحقوق والحريات، مضيفة أن “هذه المرحلة التاريخية تستوجب تعبئة وطنية وجهدا دبلوماسيا متجددا لإعداد تفسيرات متوازنة لمقتضيات القانون الدولي المرتبطة بالحكم الذاتي وتقرير المصير، وتقديم حجج قانونية وتاريخية دقيقة حول تطور القضية منذ إدراجها في اللجنة الرابعة إلى غاية القرار الأممي الأخير”.
وأكدت الفاعلة الحقوقية ذاتها أن اللحظة الراهنة ليست انتصار طرف على آخر، بقدر ما تمثل فرصة لبناء أرضية جديدة للحوار الجاد والمسؤول بين كافة المعنيين، بمن فيهم الجزائر وساكنة المخيمات بتندوف، من أجل طي صفحة الجمود الذي امتد لأزيد من خمسة عقود، مشددة على أن “هذا التوجه الأممي يعكس إرادة دولية متزايدة لخلق واقع جديد قوامه الحلول الواقعية والمستدامة بعيدا عن منطق الصراع والمواجهة”.
وتابعت بأن غياب أي توضيح رسمي من جبهة البوليساريو بشأن مضمون الرسالة التي تلقاها زعيمها من الأمين العام للأمم المتحدة، لا يُغير من حقيقة أن هذا التواصل يندرج ضمن التأكيد على مضامين القرار رقم 2797، الذي يعتبر الحكم الذاتي الأساس الذي تبنى عليه أي مفاوضات مستقبلية، مبرزة أن “العودة إلى طاولة الحوار لم تعد خيارا سياسيا، بل أصبحت التزاما تفرضه المرجعيات الأممية وضمانات المجتمع الدولي”.
ونبهت المتحدثة إلى أن استمرار المماطلة أو التلكؤ في تنفيذ الالتزامات الواردة في القرار الأممي قد يعرقل فرص الحل السياسي في إطار الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بتسوية النزاعات بطرق سلمية، ويفتح الباب أمام احتمال اتخاذ تدابير جديدة لضمان الأمن والسلم الدوليين.
وخلصت مينة لغزال إلى أن “الحل الواقعي والنهائي يكمن في دعم كل الأطراف، بمن فيهم جبهة البوليساريو، للانخراط المباشر في المفاوضات بحسن نية وتحت إشراف الأمم المتحدة”، مؤكة أن “هذا الخيار وحده الكفيل بإطلاق مرحلة الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل وإرساء الاستقرار والتنمية في المنطقة المغاربية”.
المصدر:
هسبريس