اعتبر تقرير حديث صادر عن معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن تحقيق مصالحة طموحة بين المغرب والجزائر لم يعد مجرد ضرورة سياسية، بل يمثل فرصة اقتصادية تاريخية قادرة على إحداث “ثورة اقتصادية” في شمال إفريقيا، وتحريك عجلة التكامل الإقليمي المجمد منذ عقود.
وفي تحليل معمق نشرته الباحثة المتخصصة في شؤون المنطقة، إنتصار فقير، يرى المعهد أن الدينامية الدبلوماسية الأخيرة حول قضية الصحراء، تفتح الباب أمام تحولات جيواقتصادية كبرى، من شأنها إعادة رسم خريطة التعاون في مجالات حيوية كالطاقة والاستثمار والبنية التحتية.
ويربط التقرير بشكل مباشر بين التصويت الأخير لمجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر 2025، والذي جدد التأكيد على وجاهة المقترح المغربي للحكم الذاتي كحل “جدي وذي مصداقية”، وبين إمكانية إطلاق دينامية اقتصادية جديدة في المنطقة.
ويوضح التحليل أن هذا الزخم الدبلوماسي يوفر أرضية صلبة لتجاوز الخلافات السياسية والانطلاق نحو بناء سوق مغاربية متكاملة، تكون بمثابة جسر اقتصادي يربط بين الأسواق الأوروبية الواعدة والفرص الهائلة في إفريقيا جنوب الصحراء.
رهان أمريكي يتجاوز ملف الصحراء
بحسب التحليل، فإن الانخراط الأمريكي المتزايد في الملف لا يقتصر على البحث عن حل سياسي لقضية الصحراء، بل يهدف إلى تحقيق اختراق دبلوماسي ذي أبعاد اقتصادية استراتيجية، حيث تسعى واشنطن إلى تشجيع الرباط والجزائر على الدخول في شراكات مربحة للطرفين، خصوصا في قطاعات الغاز الطبيعي، والطاقة المتجددة، ومشاريع النقل الإقليمي.
ويشير التقرير إلى أن مثل هذا التعاون من شأنه أن يعزز ثقة المستثمرين الدوليين، ويؤدي إلى تدفقات استثمارية أجنبية ضخمة، مع تقليص كبير في كلفة المبادلات التجارية البينية، وخلق ملايين فرص الشغل التي تحتاجها المنطقة بشدة.
ويؤكد معهد الشرق الأوسط أن الفرصة الحالية تتجاوز البعد السياسي الضيق للنزاع لتلامس الحاجة الملحة لبناء فضاء اقتصادي مغاربي مندمج.
ويعد هذا الفضاء هو الوحيد القادر على احتضان ودعم مشاريع البنية التحتية العملاقة، وعلى رأسها مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي سيكتسب بعدا إقليميا أوسع في حال انخراط الجزائر فيه، بالإضافة إلى “مبادرة الأطلسي” التي أطلقها المغرب لتمكين دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي.
كما أن التعاون سيمهد الطريق أمام مشاريع الربط الكهربائي وتصدير الطاقة الخضراء نحو أوروبا، مما يعزز الموقع الاستراتيجي للمنطقة كقطب طاقي عالمي.
زيلفت التقرير إلى أن الميزان الدبلوماسي والاقتصادي يميل حاليا لصالح المغرب، مدعوما بالاعتراف الأمريكي بسيادته على أقاليمه الجنوبية منذ عام 2020، والدعم المتزايد من القوى الأوروبية الكبرى (مثل إسبانيا وألمانيا وفرنسا) لمبادرته للحكم الذاتي، وهو ما انعكس في تزايد ملحوظ للاستثمارات في الصحراء المغربية.
وفي المقابل، تواجه الجزائر تحديات اقتصادية داخلية متزايدة، رغم أنها لا تزال تحتفظ بدورها الحيوي كمورد رئيسي للغاز إلى أوروبا.
ويحذر المعهد من أن استمرار الجمود السياسي بين البلدين “يكبل فرص التنمية المشتركة ويحرم المنطقة من مكاسب اندماج اقتصادي هائلة”، كان من الممكن أن تجعل من الاتحاد المغاربي تكتلا إقليميا قويا يضاهي التجمعات الاقتصادية الكبرى في إفريقيا وأوروبا.
خارطة طريق نحو التكامل
ولتحقيق هذا الهدف الطموح، يقترح التحليل خارطة طريق عملية على مرحلتين؛ الأولى عبر اتفاق إطار يهدف إلى وقف التصعيد الإعلامي والسياسي، وإطلاق قناة حوار مباشر بين البلدين بإشراف أمريكي، تمهيدا لعودة العلاقات الدبلوماسية.
أما المرحلة الثانية، فعبر بناء الثقة، حيث تتضمن تفعيل آليات اقتصادية وأمنية مشتركة، مثل التعاون في مراقبة الحدود ومكافحة الإرهاب، والتنسيق في ملف أمن الطاقة، وإطلاق مشاريع مشتركة في مجالات الغاز والطاقة الشمسية والربط اللوجيستي.
كما يدعو التقرير إلى ضرورة معالجة ملف “لاجئي تندوف” ضمن مقاربة إنسانية وتنموية شاملة، تضمن لهم حقوقهم وتنهي معاناتهم.
ويخلص معهد الشرق الأوسط إلى أن مصالحة مغربية-جزائرية حقيقية لن تكون مجرد تطبيع للعلاقات، بل ستشكل رافعة استراتيجية لتحويل شمال إفريقيا إلى فضاء للاستقرار والازدهار المشترك.
كما ستمنح واشنطن وشركاءها الأوروبيين نموذجا ناجحا للتعاون جنوب المتوسط، لكن كل ذلك يبقى مرهونا بتوفر الإرادة السياسية لدى قادة البلدين، وقدرتهم على استثمار المناخ الدولي الداعم لهذا التقارب التاريخي.
المصدر:
العمق