في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أكد المحجوب السالك أحد مؤسسي البوليساريو والمنسق العام لتيار “خط الشهيد” المعارض، أن تأسيس الجبهة كان نتيجة تفاعل مع واقع استعماري وقمع داخلي، وليس ثمرة رغبة في الانفصال عن المغرب.
وأوضح السالك، خلال حلوله ضيفا على برنامج “نبض العمق”، أن الأرض التي دارت حولها الأحداث، الساقية الحمراء ووادي الذهب، كانت مستعمرة إسبانية، وأن آباءه ومن انتموا إلى جيش التحرير المغربي شرعوا في كفاح لتحرير هذه الأراضي، ونجحوا إلى حدّ كبير في إخراج القوات الإسبانية من معظم الصحراء وحصر وجودها في نقاط ساحلية محددة مثل الطرفاية والعيون وبوجدور والداخلة ولكويرة.
وأبرز المتحدث ذاته أن هذه الظروف التاريخية شكّلت السياق الذي انطلقت فيه الحركة، والتي أسسها شباب مغاربة يحملون الجنسية المغربية ويدرسون في المدارس الثانوية والجامعات المغربية، مطالبين القيادة السياسية والحزبية في المغرب بدعم جهودهم لتحرير الأرض، حيث كانت الردود متفاوتة بين تشجيع محدود ونصائح بترك السياسة للسياسيين، ومن بين الذين وقفوا معهم كان الصحفي محجوب الصديق، الذي أتاح لصحيفته نشر أخبار مظاهراتهم والاهتمام بالقضية.
كما أشار السالك إلى أن فشل القنوات السياسية وعدم تجاوب الدولة والنخبة الحزبية دفع الشباب إلى تأسيس نواة تنظيمية مستقلة في الرباط، حيث اجتمع نحو خمسة عشر طالبًا جامعيًا لتشكيل البنية التنظيمية الأولى للحركة، ثم امتد النشاط إلى طانطان، التي كانت تُعدّ عاصمةً للصحراء، وجُمِع هناك الصحراويون من مناطق متفرقة لتخطيط مسيرات ومظاهرات تطالب بتحرير الأرض. وأوضح السالك أن الشعارات التي رفعت آنذاك مثل “بالروح وبالدم نفدي الصحراء” لم تكن دعوات للانفصال، بل كانت دعوات لتحرير الأرض وطلب الاعتراف بالمغاربة الصحراويين كجزء من الوطن”.
واعتبر السالك أن القمع الذي لاقاه الناشطون من الدولة، من اعتقالات وضرب وتعذيب، كان السبب المباشر الذي دفع الشباب إلى حمل السلاح وبدء ثورة مسلحة ضد الاستعمار الإسباني في الساقية الحمراء ووادي الذهب، معتبرا أن “خطأ المغرب كان تعذيب الصحراويين واعتقالهم وقمعهم عوض مساعدتهم”.
وأضاف السالك أن الثورة بدأت في 20 مايو بأسلحة متواضعة وذخيرة قليلة، لكن الإرادة كانت أقوى من الإمكانيات المادية، مستعرضا الظروف القاسية التي واجهها المقاتلون، بما فيها السير لمسافات طويلة في حر شديد يصل إلى 54 درجة مئوية، ونقص المياه والطعام، واستخدام جمل واحد لنقل الماء والدقيق المقلي خلال التحركات الصحراوية، موضحًا كيف اضطروا لتقسيم الكمية المحدودة من الماء بينهم لتجنب الموت عطشًا أثناء الاقتراب من تندوف، وهو ما أبرز التحديات الإنسانية الكبيرة التي رافقت الكفاح المسلح.
إلى ذلك تطرق السالك إلى دور الدعم الخارجي في استمرار الكفاح، مشيرًا إلى تدخل الرئيس الليبي معمر القذافي الذي وفّر أسلحة ولوجستيات عبر نقاط عبور متعددة، منها غدامس ونواكشوط، لتصل إلى المقاتلين في الصحراء، وبيّن أن العلاقة بين قيادة الحركة والقذافي ارتكزت على تفاهم سياسي ولوجستي، حيث نجح القذافي في تسهيل وصول شحنات السلاح عن طريق وسائل دبلوماسية بديلة عندما اصطدمت الشحنات بعوائق، مؤكّدًا أن هذا الدعم كان عاملاً حاسمًا في استمرار الثورة المسلحة ضد الاستعمار الإسباني.
واستعرض السالك أيضًا الجانب الاجتماعي والثقافي للكفاح، مشيرًا إلى أن بعض آباء المناضلين الذين نجح الوضع لصالحهم التحقوا بالجيش المغربي، وأرسلوا أبناء الصحراويين لإكمال تعليمهم في المدارس الإعدادية والثانوية والجامعات المغربية، ما أنتج جيلًا صحراويًا متعلمًا ومثقفًا، وذكر نماذج لشباب مثل باصر سيدي إبراهيم بصير، الذي تلقّى تعليمه في المغرب ثم في مصر وسوريا، وعاد لمواجهة الاستعمار الإسباني، ما أدى إلى اعتقاله وتعذيبه واختفائه، وأكد أن القمع الإسباني كان السبب المباشر في ما لحق به، بحسب روايته.
وأكد السالك أن مسار الحركة لم يكن قائمًا على الانفصال، بل على تحرير الأرض والاعتراف بالمغاربة الصحراويين ضمن الوطن، مشيرًا إلى أن النضال الذي خاضه هو وآخرون في أواخر مرحلة المراهقة، بدءًا من حمل السلاح والمشاركة المباشرة في العمليات، وصولًا إلى المسؤوليات التنظيمية والسياسية داخل الحركة، كان بمثابة استمرار لجهاد آبائهم الذي قدموا أرواحهم من أجل تحرير الصحراء، وبيّن أن الإيمان بالقضية كان أقوى من كل المصاعب، سواء كانت حرًّا شديدًا، أو ظروفًا صحراوية قاسية، أو محدودية الإمكانيات المادية، وأن كل ذلك شكّل تاريخًا متشابكًا من الكفاح المسلح والنضال الاجتماعي والسياسي والثقافي، مع دعم أطراف إقليمية ساهمت في استمرار المسار.
وحول المسؤولية التاريخية، شدد السالك على أن المغرب دفع ثمنًا كبيرًا، لكنه لم يكن السبب المباشر في صعود البوليساريو، وقال: “الشباب المغربي في السبعينيات طلب المساعدة من الدولة، لكن لم تُقدّم لهم، واضطررنا للقيام بالثورة بأنفسنا، فساعدنا القذافي والجزائر، وصرنا محسوبين على الجهة الشرقية”.
وتحدث عن سياسة المغرب الذكية في تلك المرحلة، التي منعت قيام دولة في الصحراء تحت النفوذ الإسباني، وقال: “لو تعاون المغرب معنا، ربما كانت ستكون هناك دولة شرق الصحراء، وهذا كان سيهدد أمن جزر الكناري، لكن المغرب تصرف بحكمة لضمان مصالحه، ما أدى لاحقًا إلى اتفاق 14 نوفمبر لتقسيم الصحراء بين المغرب وموريتانيا”.
المصدر:
العمق