خطابٌ قوي وذو أهداف كبرى وجّهه الملك محمد السادس، مساء أمس الجمعة، إلى الشعب المغربي، في تفاعلٍ مباشر لأعلى سلطة بالبلاد مع فحوى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797، الذي تضمّن دعما لمقترح المغرب للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية.
وأكد أكاديميون أن هذا المستجدّ الذي يهم القضية الوطنية الأولى استدعى تفاعلا من هذه الطينة، باستحضار نُدرة المناسبات التي يوجه فيها الملك خطابا إلى المغاربة خارج المواعيد الوطنية المتعارف عليها.
ولفتت القراءات المقدمة في هذا الصدد إلى أهمية التوجيهات التي تضمنها الخطاب، بما فيها عدم النظر إلى المستجد بمنطق الغالب والمغلوب، والتأكيد على أن ما بعد 31 أكتوبر ليس مثل ما قبله، زيادة على الدعوة إلى حوار أخوي بين المغرب والجزائر، وأيضا حث قاطني مخيمات تندوف على “اغتنام هذه الفرصة التاريخية”.
واعتبر محمد الغواطي، أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “الظرفية استدعت خطابا استثنائيا من هذا النوع، ما دام أن المناسبة تتعلق بمستجد استثنائي يتمثل في تصويت مجلس الأمن على قرار يعتمد المخطط المغربي للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية”.
وأكد الغواطي، في تصريح لهسبريس، أن “الخطاب يؤكد اهتماما كان من البديهي أن يحظى به هذا المستجد. وقد أتى هذا الاهتمام من جانب الملك باعتباره أعلى سلطة بالبلاد، ويمتلك اختصاصات دستورية كرئيس للدولة وأمير للمؤمنين، واختصاصات أخرى رمزية كقائد للأمة”.
وزاد: “على الرغم من ندرة المناسبات الاستثنائية التي وجّه فيه الملك خطابا إلى الأمة خارج المواعيد الوطنية والدستورية المتعارف عليها، إلا أن الخطاب الذي تلا جلسة مجلس الأمن الدولي كان مركزيا؛ إذ تضمّن توجيهات بخصوص التعامل مع مرحلة ما بعد 31 أكتوبر”.
ومن أبرز ما جاء ضمن هذا الخطاب، يقول المتحدث، “الرسائل التي وُجّهت إلى من يهمهم الأمر، بمن فيهم الجزائر، مع التأكيد على أن ما تحقّق لا يرتبط بمعادلة غالب ومغلوب”.
من جهته، سجّل عبد العالي بنلياس، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي، ملاحظة أساسية تتمثل في كون الملك هو السباق إلى إعلان الأحداث الكبرى والمهمة إلى الشعب المغربي خلال السنوات الأخيرة، مثل حصول المغرب على شرف تنظيم كأس العالم 2030 واعتراف إسبانيا بالحكم الذاتي كاختيار وحيد لحل قضية الصحراء المغربية، وكذا اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وضمن التوجه نفسه، يقول بنلياس لهسبريس، “اختار الملك أن يوجّه خطابا للأمة مباشرة بعد قرار مجلس الأمن الدولي الذي يكرس سيادة المغرب على صحرائه”، معتبرا أن “هذا الخطاب، في يومه وسياقه وظروفه التاريخية، يشكل نقطة تحول كبرى وحاسمة في مسار حل قضية الوحدة الترابية، يساوي في قيمته التاريخية وأهميته السياسية ونتائجه الاستراتيجية والدبلوماسية خطاب المسيرة الخضراء الذي أحدث تحولا كبيرا في مسلسل استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية”.
وفي إشارة إلى ما جاء في هذا الخطاب، ذكر المتحدث أن حديث الملك عما قبل 31 أكتوبر وما بعده “ليس تعبيرا عاديا، بل هو تعبير عن تحول تاريخي في مسار التسوية الأممية لملف الصحراء المغربية، بحيث لن يعود موضوع المفاوضات هو البحث عن صيغ تنظيم الاستفتاء ولا عن تكريس أطروحة تقرير المصير المفضية للانفصال، بل ستكون المفاوضات في إطار الحكم الذاتي وفي ظل السيادة المغربية”.
وأضاف أن “تقارير الأمين العام للأمم المتحدة سوف تركز على تطور هذه المفاوضات في الإطار نفسه، ومهمة المبعوث الشخصي للأمين العام محددة في الموضوع والزمان والأطراف، وهي جمع الدول المعنية وجبهة البوليساريو، على أرضية الحكم الذاتي وعلى القضايا الإجرائية والتقنية والسياسية لتجاوز مرحلة الصراع إلى مرحلة بناء السلام في المنطقة”.
المصدر:
هسبريس