آخر الأخبار

"مَن يخاف مِن السلام؟".. الواسيني يفكك صناعة الخوف واقتصاد الحرب

شارك

تحت عنوان “من يخاف من السلام؟” (?Chi ha paura della pace), صدر للكاتب والصحافي المغربي المقيم في إيطاليا، زهير الواسيني، كتاب جديد يطرح من خلاله تساؤلًا محوريًا حول تعقيدات السلام في العالم المعاصر، وأسباب تعثّره المستمر رغم ما يشهده العالم من مآسٍ ونزاعات. ويضع المؤلف قرّاءه أمام سؤالٍ يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه يعكس إشكالًا بنيويًا يتجاوز السياسة إلى الاقتصاد والأخلاق: لماذا أضحى السلام مشروعًا مستحيلًا؟

الكتاب، الذي أثار نقاشًا حيًّا في الأوساط الثقافية والإعلامية الإيطالية، يقدّم مقاربة نقدية معمّقة للعلاقة الملتبسة بين الاقتصاد والسياسة والحرب، محاولًا الإجابة على سؤال مركزي: لماذا يبدو السلام في عالمنا الحديث مشروعًا مستحيلًا؟ لا يتناول الواسيني هذا السؤال من زاوية أخلاقية فقط، بل يذهب إلى جذوره البنيوية، مبيّنًا كيف أصبحت الحروب اليوم مصدرًا مستدامًا للربح بالنسبة لقوى دولية ترى في استمرار الصراع فرصة لتسويق السلاح، وتبرير سباق التسلّح، وترسيخ النفوذ الجيوسياسي على حساب العدالة والكرامة البشرية.

وفي تحليله الذي يدمج الرؤية الاقتصادية بالبعد الإنساني، يقدّم الواسيني ثنائية “اقتصاد الحرب” و”اقتصاد السلام” بوصفها مفتاحًا لفهم مآلات السياسات الدولية. الأول يقوم على صناعة الخوف، وتكريس حالة الطوارئ، وإعادة إنتاج منطق الهيمنة. أما الثاني، فيقوم على الاستثمار في التنمية، وإعلاء قيمة الشراكة، وبناء توازن حقيقي يقوم على الحقوق لا على التفوق العسكري. ومن هذا المنطلق، يرى الواسيني أن استمرار الحروب لم يعد قَدَرًا مفروضًا، بل خيارًا واعيًا تتخذه بعض القوى انطلاقًا من حسابات الربح والخسارة، لا من ضرورات الأمن أو الاستقرار كما يُروّج عادة.

وقد نالت قضية فلسطين، وتحديدًا مأساة غزة، حيزًا واسعًا من اهتمام المؤلف في هذا الكتاب. ففي مقابلة موسعة نشرتها صحيفة إل كواتيديانو دل ترينتينو الإيطالية، قال الواسيني إن “الأطفال الذين يموتون في غزة اليوم هم بذور عنف الغد”، في إشارة إلى أن غياب العدالة يغذّي دوامة الصراع، ويمنع بناء سلام حقيقي. ويؤكد أن الحل العادل لا يمر إلا عبر الاعتراف المتبادل بين دولتين، فلسطينية وإسرائيلية، لأن لا سلام يستقيم على أنقاض إنكار الآخر، ولا كرامة يمكن أن تقوم على ميزان قوة يشرعن الظلم.

في روما، تحديدًا في مقر الجامعة الدولية للدراسات (UNINT)، جرى تقديم الكتاب رسميًا بحضور لافت من الطلبة والباحثين، حيث شهد اللقاء نقاشًا مفتوحًا حول دور الإعلام والفكر في إعادة بناء الوعي الجمعي تجاه السلام، بعيدًا عن ثنائية “المنتصر والمهزوم” التي اختزلت الصراعات الحديثة في حسابات صفرية لا تتيح المجال لأي مصالحة تاريخية حقيقية. وأشاد الحاضرون بالقدرة التحليلية للواسيني، وبالعمق الإنساني الذي يطبع رؤيته، معتبرين أن الكتاب يشكّل مساهمة نوعية في النقاش الأوروبي حول دور السياسة الخارجية، وخطاب الإعلام، وموقع العدالة في الصراعات المعاصرة.

في الأشهر القادمة، يستعد الكاتب المغربي لجولة جامعية في عدد من المدن الإيطالية، تتضمن لقاءات مفتوحة مع طلبة وأكاديميين، حول مفهومي “اقتصاد الحرب” و”اقتصاد السلام”، وأثر الإعلام في صناعة الخوف أو تجاوزه. وفيما أصبح الكتاب متاحًا باللغة الفرنسية تحت عنوان (?Qui a peur de la paix)، يبدو أن هدف المؤلف هو إشراك القارئ الفرنكوفوني – وخاصة في الضفتين الأوروبية والمتوسطية – في مساءلة المفاهيم التي نتداولها دون تمحيص، وفي مقدمتها مفهوم “السلام” ذاته.

يشدّد الواسيني في كتابه على أن مفهوم السلام لم يعد حكرًا على الأدبيات الدبلوماسية أو المشاريع السياسية، بل أضحى ضرورة ثقافية وأخلاقية تفرض مراجعة شاملة للبُنى المفاهيمية التي تحكم العلاقات الدولية، مؤكدا أن العنوان “من يخاف من السلام؟” لا يحمل طابعًا بلاغيًا فقط، بل يوجّه تساؤلًا مباشرًا إلى المنظومة العالمية التي تربط بين الهيمنة والقوة، وتتجاهل الأصوات الداعية إلى إنهاء الحروب كخيار استراتيجي.

ويدعو الكتاب المغربي إلى إعادة تقييم فكرة الشجاعة في السياق السياسي المعاصر، بعيدًا عن لغة التسلح والردع، ومبنيًا على منطق الشراكة والإصغاء والتفاهم المتبادل.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا