آخر الأخبار

بين الأطلسي والمحيط السياسي .. المغرب يرجح كفة التوازن الدبلوماسي

شارك

في خطوة تحمل أكثر من دلالة، وقّع المغرب وروسيا، الأسبوع الماضي في موسكو، على هامش أشغال الدورة الثامنة للجنة المشتركة بين البلدين، اتفاقا جديدا للتعاون في مجال الصيد البحري، يمتد لأربع سنوات، ويتيح للسفن الروسية ممارسة نشاطها في السواحل الأطلسية للمملكة، طبقا لأحكام ومبادئ تحدد الكميات المسموح باصطيادها ومناطق الصيد وكذا فترات الراحة البيولوجية والتكوين البحري.

هذا الاتفاق، الذي يأتي في ظل جمود المفاوضات حول تجديد اتفاق الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، على ضوء قرار محكمة العدل الأوروبية الذي دخل حيّز التنفيذ في أوائل الشهر الجاري، رغم تجديد الاتفاق الفلاحي، يجسد بوضوح، حسب مهتمين، ملامح التحول الهادئ في السياسة الخارجية المغربية القائمة على تنويع الشركاء الاستراتيجيين دون الارتهان لأي محور دولي، إذ اختارت الرباط ألا تقف في موقع الانتظار أو التعلق بحسابات قضائية أوروبية، وتوجهت نحو صياغة علاقاتها الخارجية بما يخدم مصالحها الوطنية أولا، مُثبِتة أنها فاعل مستقل في هندسة التوازنات، لا تابعا لأي محور أو طرف.

براغماتية مغربية

قال محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، إن “الاتفاق الروسي– المغربي حول الصيد البحري يمثل خطوة استراتيجية مهمة تعكس قدرة المغرب على إدارة مصالحه العليا ببراغماتية ودقة، كما يؤكد استقلالية القرار الوطني وسيادة المملكة الكاملة؛ بما في ذلك في أقاليمها الجنوبية، ويبرز قدرة المغرب على تنويع شركائه الدوليين وحماية موارده الحيوية بعيدا عن أي ضغوط خارجية”.

وأضاف عطيف، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الاتفاق يمكن مقاربته من زاوية العلاقات الدولية، حيث يشكل نموذجا بارزا للتوازن المغربي في التعامل الدبلوماسي مع القوى الكبرى؛ ففي وقت تظل مواقف بعض الشركاء الأوروبيين رهينة بحسابات قانونية وسياسية معقدة، نجح المغرب في التوصل إلى اتفاق مع روسيا مبني على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، دون المساس بسيادته أو استقلالية قراره الاستراتيجي”.

على الصعيد الاستراتيجي، شدد الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية على أن “الاتفاق يعكس ما يمكن تسميته بـ”السيادة الاستراتيجية”، إذ يمكن المغرب من استغلال موارده الطبيعية ضمن إطار من الاستقلالية والكرامة الوطنية، ويعزز موقعه كحلقة تواصل بين العالمين الغربي والشرقي. وبالتالي، يثبت هذا التحرك قدرة المملكة على تحقيق التوازن بين مصالحها الاقتصادية والتحديات الإقليمية والتحولات الجيوسياسية الكبرى دون التفريط في ثوابتها الوطنية”.

وخلص المتحدث ذاته إلى أن “الاتفاق بين موسكو والرباط يؤكد نجاح الدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس في ترسيخ الاستقلالية في القرار الخارجي وتحقيق توازن استراتيجي يتوافق مع متطلبات المرحلة الراهنة. وعلى هذا الأساس، يظهر المغرب كفاعل إقليمي متوازن، قادر على حماية مصالحه الحيوية وتعزيز حضوره الدولي بثقة وواقعية، مع ترسيخ نموذج ناجح للدولة ذات السيادة الكاملة”.

استقلالية استراتيجية

يرى جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن “إبرام المغرب لاتفاق حول الصيد البحري مع الدولة الروسية ليس عبارة عن صفقة تجارية؛ بل هو تحرك جيوسياسي مدروس يعكس في جوهره عن تحول ليس بالمستجد في فلسفة صانع القرار على مستوى السياسة الخارجية للرباط”.

وأضاف القسمي: “هذه الفلسفة تعبر عن قدرة المملكة في خلق البدائل السيادية وتنويع الشركاء، وتفعيل مبدأ الاستقلالية الاستراتيجية. ومن دلالات هذا الاتفاق مع روسيا توجيه رسائل إلى الشركاء الأوروبيين مفاده أن بدائل المغرب كثيرة ومتنوعة، وأن أي تردد له أثمان، وأن المغرب لن يتأثر بأية تعقيدات إجرائية أوروبية، ولن يقبل بتعطيل مصالحه الحيوية في مجالات أخرى منها الصيد البحري”.

وذكر المصرح لهسبريس أن “أي اتفاق مع روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن لن يتأثر مستقبلا بتعقيدات التكتل الأوروبي ومؤسساته القضائية وسياساته المتداخلة، حيث إن روسيا أقل تأثرا بضغوطات المنظمات غير الحكومية أو المناورات القضائية؛ مما يجعلها شريكا أكثر استقرارا.. ثم إن توطيد شراكات اقتصادية مع روسيا وإبرام اتفاقيات ثنائية معها له أثر كبير على ملف الصحراء المغربية؛ بالنظر إلى مكانة موسكو كدولة عظمى، يعتبرها خصوم المغرب دولة صديقة لهم، وهو اعتراف عملي وسيادي بسلطة المغرب على أقاليمه الجنوبية”.

وأشار الباحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي إلى أن “هذا التنوع في البدائل والشركاء لا يعني استبدال هؤلاء الشركاء، وإنما الهدف هو خلق توازن يصب في المصالح العليا للمغرب، حيث إن الاتفاق مع روسيا لا يعني قطيعة مع الاتحاد الأوروبي؛ بل سيبقى هو الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، وإنما هو بمثابة ورقة ضغط ذكية يستعملها المغرب لدفع الأوروبيين لحسم مواقفهم ودفعهم إلى إيجاد الحلول وعدم ترك الشراكة مع المغرب عرضة للابتزاز”.

وزاد المتحدث شارحا: “بهذا الاتفاق الجديد يعبر المغرب من جديد على نهجه البراغماتي في علاقاته الخارجية، بتركيزه على المصالح المشتركة؛ ففي الوقت الذي يحافظ على شراكات أمنية وعسكرية مع شريكه الأمريكي، وشراكاته الاقتصادية العميقة مع الاتحاد الأوروبي، يسعى أيضا منذ مدة ليست بالقصيرة إلى فتح قنوات تعاون استراتيجي مع دول وقوى كبرى كروسيا والصين، كسياسة واقعية تقلل من المخاطر المحتملة وتزيد من المكاسب”.

وخلص القسمي إلى أن “فلسفة الاستقلالية الاستراتيجية التي ينهجها المغرب وتحكم سياسته الخارجية، ترتكز على أسس عديدة؛ منها أولا السيادة، أي ما معناه أن أي شراكة لا بد أن تحترم الوحدة الترابية للمملكة وسيادته على كامل أراضيه. ثانيا تنويع الشركاء، إذ إن المغرب قطع مع مرحلة الاعتماد على الشريك الواحد، فأصبحت سياسته الخارجية متعددة الاتجاهات، إفريقيا آسيا أمريكا اللاتينية.. مما يعطي هامشا أكبر للمناورة ويحصنه من الضغوط. ثالثا الوضوح، حيث إن السياسة الخارجية المغربية واضحة في مواقفها ولها مبادئ تسير عليها وهي طموحة في أهدافها، حتى ولو لم تُرضِ بعض شركائه التقليديين في بعض القضايا”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا