في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في تقرير مدعوم بالأرقام والوثائق الرسمية، فجّر حزب العدالة والتنمية بمدينة بوزنيقة قنبلة من العيار الثقيل، كاشفا عما وصفه بـ”الكارثة المالية” و”الفساد الممنهج” في تدبير قطاع النظافة بالمدينة، بعد أن تحول نموذج “التدبير المفوض” إلى ما يشبه “ثقبا أسود” في ميزانية الجماعة.
وأظهرت معطيات التقرير، المستندة بشكل مباشر إلى تقرير للمفتشية العامة للإدارة الترابية تحت رقم تحت رقم 132 R/2022، أن ما مجموعه 117 مليون درهم من المال العام قد تم تبديده واختلاسه، وهو مبلغ يفوق أكبر ميزانية سنوية عرفتها المدينة في تاريخها.
وبدأت فصول هذه “المأساة المالية” عام 2009، عندما قررت جماعة بوزنيقة، تماشيا مع التوجه الوطني، الانتقال من التدبير المباشر لمرفق النظافة إلى إسناد المهمة لشركة خاصة، لكن هذا الانتقال، الذي تم في سياق ما وصفه التقرير بـ”التسيير العشوائي والمنفرد”، سرعان ما كشف عن عيوب هيكلية منذ العقد الأول مع شركة “أوزون” (2010-2017).
وخلال ندوة صحفية هدفت إلى تشخيص وتحليل “15 سنة من تجربة التدبير المفوض لقطاع النظافة”، تحول النقاش إلى محاكمة سياسية لنموذج تدبيري وصفه محمد بنجلون، عضو المجلس الجماعي لمدينة بوزنيقة، بأنه أصبح “مرتعا للفساد”.
ولم تتوقف المطالب عند حدود كشف الاختلالات، بل امتدت لتشمل دعوة صريحة لمساءلة جميع المتورطين، بمن فيهم المسؤولون الترابيّون (العمال) الذين أشّروا على صفقات “مشبوهة”، مع طرح حلول هيكلية جذرية كفيلة بإنهاء هذا النزيف المالي.
وفي هذا السياق، قدم الخبير المالي يونس قراش عرضا مفصلا تحت عنوان “تشخيص وتحليل تجربة التدبير المفوض لقطاع النظافة ببوزنيقة”، رسم من خلاله صورة قاتمة لتجربة انطلقت بهدف تحديث الخدمة، لكنها تحولت إلى مسلسل من التجاوزات الممنهجة، والتواطؤ، وتبديد الأموال العامة، في غياب شبه تام للمراقبة والمساءلة.
وبيّن قراش من خلال عرض قدمه خلال الندوة، أن هذا المبلغ الفلكي المهدور هو نتيجة تراكمات مالية ضخمة، تتوزع على ما يقارب 43 مليون درهم من الأموال المبددة خلال العقد الأول الذي بدأ عام 2010، وأكثر من 53 مليون درهم من الاختلالات المالية في العقد الثاني لعام 2017، يضاف إليها مبلغ 21 مليون درهم نتج عما وُصف بـ “دعوى قضائية وهمية” حُكم فيها ضد الجماعة بناء على اعترافات “متواطئة”، بين الرئيس السابق للجماعة امحمد كريمين ومدير شركة أوزون للنظافة عزيز البدراوي.
أما عن الآليات التي تم من خلالها هذا “الاستنزاف الممنهج” للمال العام، فقد شرح قراش كيف تم التحايل على القانون بشكل صارخ حينما أقدم الرئيس السابق كريمين بشكل انفرادي على تغيير نمط الأداء من نظام الفوترة حسب وزن النفايات المجمعة إلى نظام المبلغ الجزافي (Forfaitaire).
هذا التغيير، الذي تم دون الرجوع للمجلس، بحسب كل من يونس قراش ومحمد بنجلون، أدى إلى مضاعفة التكلفة بشكل فوري من 10 ملايين إلى 20 مليون درهم سنويا، وأعفى الشركة المفوض لها من تقديم أي مبررات لكميات النفايات، مما فتح الباب على مصراعيه للتلاعب.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى حد تضخيم الأرقام لتبرير التكلفة الفلكية للعقد. فعندما نبهت وزارة الداخلية في مراسلة رسمية إلى أن معدل إنتاج النفايات المعتمد في دراسة الصفقة “مرتفع جدا”، كان الرد التحايلي هو تضخيم عدد السكان بشكل غير منطقي بدلا من خفض التكلفة، حيث تم القفز بالرقم من 40 ألف نسمة إلى 55 ألفا، في ظرف 15 يوميا من ملاحظة وزارة الداخلية، مع إضافة 80 ألف “سائح صيفي وهمي” دون أي دراسة ميدانية، وهي حيلة مكنت من الحفاظ على قيمة العقد المرتفعة.
كما كشفت المعطيات أن الشركة كانت تلجأ لخلط النفايات المنزلية مع مخلفات البناء والردم لتضخيم الأوزان المصرح بها، بل والأخطر من ذلك، تم ضبطها وهي ترمي نفايات ثلاث جماعات أخرى في مطرح بني يخلف على أنها نفايات تابعة لبوزنيقة، التي كانت تؤدي التكلفة كاملة عن الجميع، حيث اعتبر قراش أن هذه الممارسات جعلت تكلفة النظافة للفرد في بوزنيقة تصل إلى 544 درهما للفرد، وهو رقم يفوق بكثير مدنا مجاورة كبرشيد التي لا تتجاوز فيها التكلفة 184 درهما للفرد.
ومن أخطر ما كشفه العرض تفاصيل “الدعوى القضائية الوهمية” التي رفعتها شركة “أوزون” ضد جماعة بوزنيقة، حيث اعتمدت المحكمة في حكمها بشكل أساسي على محضر اجتماع اعترف فيه رئيس الجماعة كريمين بديون غير مستحقة، وهو ما اعتبره العرض “قرينة تواطؤ”، حيث أدت هذه الدعوى إلى الحكم ضد الجماعة بمبلغ فاق 21 مليون درهم، في ظل غياب دفاع جدي من طرف الجماعة التي لم تطالب حتى بتطبيق بند التحكيم المنصوص عليه في العقد.
وأمام هذا الوضع، دعا محمد بنجلون إلى حل هيكلي وجذري، موجها نداء مباشرا لعامل إقليم بن سليمان من أجل تأسيس “مؤسسة للتعاون بين الجماعات” تضم كلا من بوزنيقة، وبنسليمان، والمنصورية، والشراط، وعين تيزغة.
ويهدف هذا التكتل، بحسب المتحدث، إلى توحيد تدبير القطاع عبر صفقة واحدة، مما سيخفض التكلفة ويحسن الأداء اللوجستي، خاصة مع الاستعدادات لاحتضان كأس العالم 2030 وبناء الملعب الكبير بجماعة المنصورية، مضيفا أن اعتماد نموذج “شركة التنمية المحلية (SDL)” سيكون بديلا ناجعا يجمع بين مرونة القطاع الخاص ورقابة القطاع العام.
ورفع بنجلون سقف المطالب ليشمل محاسبة شاملة، متسائلا: “كيف يُعقل أن يُسجن الرئيس الذي وقّع على الصفقة ومسؤول الشركة، بينما يظل المسؤول الترابي أو العامل الذي يؤشر على هذه الصفقات المشبوهة بعيدا عن أي متابعة؟”، موجها نداء مباشرا للمواطنين بقوله: “سكان مدينة بوزنيقة، هذه أموالكم فدافعوا عنها”.