آخر الأخبار

كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري

شارك

كشفت الأكاديمية نجاة المريني، في أحدث تحقيقاتها للأدب المغربي، جانبا غير معروف من الشخصية العلمية لأحد أبرز الشخصيات الثقافية والسياسية في القرن التاسع عشر، المؤرخ أحمد بن خالد الناصري خاطّ أبرز تأريخ لمغرب ما قبل القرن العشرين المعروف بـ”الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى”، وصاحب أحد أبرز شروح الشعر في تاريخ الأدب المغربي “زهر الأفنان من حديقة ابن الونان”.

جاء هذا في لقاء، الأربعاء، بمقر الخزانة العلمية الصبيحية بمدينة سلا، نظّمته الخزانة المصدرة للكتاب، ومؤسسة سلا للثقافة والفنون، وجمعية سلا – المستقبل، سيّره أحمد الصبيحي الذي دافع عن أهمية “إخراج التراث العريق إلى عالم البحث والقراءة”.

وقالت الأكاديمية والمحقّقة نجاة المريني إن “العلّامة الناصري نادر في زمانه وغير زمانه، وهو شخصية سلاوية لها حضور ممتد، في ميادين كثيرة تاريخا وأدبا وفكرا وفقها، ولم يترك بابا من أبواب الكتابة إلا طرقه بمعرفة وحب، وكان ينجح لأنه يحب العلم والدرس والكتابة ويشتغل بالعلم.. والمؤسف أننا لا نشتغل في الشيء لأننا لا نحبه، فعشق الشيء سبيل للنجاح فيه”.

وأضافت المريني: “العلامة الناصري اشتهر بكتابه ‘الاستقصا’، الذي نشر أول مرة في القاهرة ومرات في المغرب، وآخر نشرة له صدرت في تركيا في سنة 2025 الراهنة (…) واللافت للنظر في هذه الشخصية هو أن الجميع يعرفه فقط مؤرخا، علما أن القليل من الطلبة والتلاميذ من يعرفونه اليوم حتى مؤرخا.. ونعيش هذا للأسف لأننا لا نهتم بالهوية الثقافية المغربية في أصولها ومنعرجاتها المختلفة”.

مصدر الصورة

ثم تابعت: “عرفت الناصري، منذ سنوات بعيدة، من خلال الأشعار التي وجدتها في كتاب ‘الاستقصا’، واستفدت منها في أبحاثي الجامعية، ولو أني لم أهتم بأشعاره المتفرقة في ذلك الوقت. لكن حصل من خلال فضول علمي أن بحثت عن أشعاره للمشاركة في ندوة علمية لجمعية أبي رقراق في سلا، واقترحت عنوانا مغامرة لمداخلتي فيها: ‘المؤرخ الناصري شاعرا’، من خلال ما رأيت من شعره القليل في “الاستقصا””.

وبما أن “البحث العلمي مغامرة”، بدأَت من هذا العنوان والمداخلة “أسئلة الموضوع تطرح علي باستمرار، وبدأتُ مغامرة علمية بالبحث عن الأشعار. فطرقت باب أحمد الناصري، حفيد المؤرخ، بكل جرأة؛ لأن العلم يحتاج جرأة لمعرفة ما نجهله، واستقبلني حقيقة بكل لطف، وجعلني أزور الخزانة الصبيحية، وهي منجم كبير للكتب، وأطلعني على وُريقات، ونسختُ منها أشعارا هي منفذ لشعرية الناصري، ونسخت ما ظننته سيساعدني في إنجاز البحث؛ ولكن بقي في نفسي شيء من أشعاره، وهذا منذ ما يزيد عن عشرين سنة، ونسيت بعد ذلك هذا الشعر، حتى جاء اقتراح الصبيحي بالنظر في الوريقات وإمكانية أن ينشَر شعرها”.

هنا، تقول نجاة المريني: “عشت ردحا من الزمن مع لغة رائقة جدا، تثير الشغف والحب باللغة العربية، هويتنا، وزادنا الذي علينا الشد عليه بكل حب. ومما حفزني على العمل على وريقات هذا الديوان انشغال الباحثين اليوم عن النظر في كتب التراث الأدبي المغربي شعرا ونثرا، واهتمامهم فقط بالشعر الحديث والرواية.. ورغم أهمية هذا الانشغال، فإنه لا ينبغي أن يكون على حساب التراث الأدبي المغربي، الذي ينبغي أن نعرفه، ونتحدث عنه، ونفتخر به (…) وفيه تجويدٌ للكتابة وارتقاء بها”.

ويضم التحقيق الجديد “ثلاثة محاور: محور السيرة الذاتية للمؤرخ الناصري، وتنقلاته في العمل المخزني التي لم تثنه على القراءة بشكل لا نستطيعه اليوم (…) وذكر لمؤلفاته المطبوعة والمخطوطة. وثاني المحاور تحقيق لمخطوط كتبه بخطه، ورتبه على راحته ومزاجه. وقد أعلن ابناه جعفر وامحمد في أول ورقة منه، رغم أنه لم يعش ليكوّنهما، وكونهما محمد العربي الناصري أخوهما الأكبر، أن هذا ‘ديوان سيدنا الوالد’. بينما ثالث المحاور دراسة لمحاور الأشعار”.

مصدر الصورة

ورغم أن الناصري، كما كتب “كان يتهيب قول الشعر والتعاطي له”، وتعاطى الشعر “أيام الشبيبة، ثم أعرض عنه”، فإنه بالعودة إلى كتابه “زهر الأفنان” وشرحه ديوان المتنبي المخطوط، فيتبين أنه “كان يلح على الجودة في كتابة الشعر، والحفاظ على ماء الشعر”. ثم علقت الأكاديمية المتخصصة في الأدب المغربي: “ما جاد به قلمه، يدفع إلى الاعتراف بتمكنه من الشعر”.

ويتضمن ديوان الناصري “أشعار المؤرخ الناصري، في المدح والرثاء والإخوانيات، ومقطوعات في موضوعات العتاب والمفاكهة، ثم في الهجاء”، وهي 330 بيتا، علما أن “الناصري لم يكن يفكر في طبع هذه الأشعار، وكذلك ابناه لم يشتغلا بها؛ بل فقط وضعا عنوانا لها وقالا: هذا ديوان السيد الوالد”.

ويجد القارئ في الديوان عمل محقّقته على “عنونة كل قصيدة، مع استخراج البحر العروضي الذي انتظمت فيه، والمخاطبين من كل قصيدة، وأغلبهم من معاصريه ومجايليه”، علما أنها قد “وجدت مشكلة في البحث عن ترجماتهم، وصعب علي ذلك جدا، ووجدت شيئا لم يرضني. ولكن أوردت تعريفات بسيطة، تبين المخاطبين في القصائد، مع ترجمة الكلمات الصعبة حسب موقعها في النص لتقريب النص أكثر إلى القارئ، وتوضيح ما أراده الشاعر وهو يتغنى أو يمدح أو يتحدث”.

وذكرت نجاة المريني أنها قد استمتعت بتحقيق ديوان الناصري، الذي وجدت فيه “متعة وفائدة، دفعتني إلى محبة الرجل شاعرا يتحدث عن مشاعره الداخلية، وعواطفه، وحبه زوجتَه”.

ثم استرسلت قائلة: “هذه الوريقات الشعرية تؤكد براعة أحمد بن خالد الناصري في باب لم يُلتفَت إليه (…) هو براعته في قول الشعر، فلم يكن مؤرخا فحسب وموظفا إداريا مخزنيا، بل كان فلتة من فلتات الدهر؛ مؤرخا، ولغويا، وناقدا بلاغيا، وشاعرا، ومؤلفا في أصناف كثيرة من الموضوعات. والحديث عن شعره، والتعريف به حاجة في مدارسنا وجامعاتنا وفي هذا حضور للهوية المغربية، تاريخا وأدبا وفلسفة وشعرا ورواية وقصة. وفيه حفظ لأدبنا، وارتقاء بلغتنا، واستعادة للإيمان بها، لغةً على الأجيال التمرس عليها، لا ما نعيشه من إهمال لها، في ظل سيطرة اللغة الأجنبية حتى في الإذاعة الوطنية المغربية التي تمزج بينها وبين العربية، وهذا الانزياح مشكل، علينا أن نحترس منهُ، وأبناءَنا، وطلبتَنا، وكل من له محبة لهذا البلد”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا