قدّمت الدورة السادسة من لقاءات سابام SABAM، الجمعية البلجيكية للمؤلفين، التي احتضنتها مدينة أفينيون من 2 إلى 5 أكتوبر 2025، بانوراما حيّة للكتابة المسرحية البلجيكية المعاصرة، بالشراكة مع مسرح ترانسفيرسال Théâtre Transversal وبدعم من مسرح دوم Théâtre des Doms.
على مدى أربعة أيام، تحوّل الحدث إلى مختبر مفتوح للكتابة المسرحية، حيث قدّم ممثّلون محترفون قراءات حيّة لنصوص بلجيكية، من المنطقة الفلامانية والوالانية ومن منطقة بروكسل العاصمة التي يمثلها طه عدنان، في احتفاء نادر بحيوية المسرح البلجيكي وتنوّعه.
وقد شكّل هذا الموعد مناسبة لفتح نصوص بلجيكية جديدة على الجمهور الفرنسي، وتسليط الضوء على غنى المشهد المسرحي في بلجيكا.
ضمن هذا الاختيار الدقيق، برز حضور الكاتب طه عدنان بمسرحيته “دنيا”، التي قدّمت صوتًا مختلفًا في المشهد البلجيكي المعاصر، بفضل طاقتها الإنسانية وسردها المتوهّج وجرأتها في مقاربة قضايا الهوية والذاكرة والأنوثة والانتماء.
نُشرت دنيا بالفرنسية عام 2020 عن دار لانسمان البلجيكية، بعد أن كُتبت أصلًا بالعربية سنة 2018؛ وهي مونودراما مكثّفة تتتبّع حكاية شابة من أصول مغربية تعيش في بروكسل، تعاني عزلة مضاعفة داخل أسرتها ومجتمعها، وتبحث عن معنى لوجودها وهويتها بين ثقافتين.
العمل صرخة ضد التهميش والصمت المفروض على النساء؛ لكنه أيضًا نشيد للحياة والمعاناة، ونشيد للممانعة والتحدّي، إذ تنبع قوّة الشخصية من قدرتها على تحويل الألم إلى وعي، والهشاشة إلى إرادة للبقاء.
قُدّمت القراءة الحيّة للمسرحية مساء الجمعة 3 أكتوبر الجاري على خشبة مسرح دوم Théâtre des Doms، الواجهة الرمزية للثقافة البلجيكية الفرانكفونية في أفينيون.
أدّت العمل الممثلة الفرنسية باربارا فيراجيولي Barbara Ferragioli، التي أقنعت الحضور بأدائها العميق والمميّز وقدرتها على تجسيد التحوّلات الداخلية للشخصية بين الألم والتمرّد، في تفاعل ديناميكي ترك أثرًا واضحًا لدى الجمهور.
في بيانها الختامي، أشادت جمعية سابام بالنصوص المشاركة، مؤكّدة أنّها اختيرت بعناية في إطار شراكة قوية بين سابام وبين مسرح ترانسفيرسال الفرنسي.
وفي توصيفها لمسرحية دنيا، كتبت: “مونولوج نسائي قويّ، أُدِّيَ بإتقان. تهزّ دنيا المشاعرَ بكلمتها الحرّة، الصريحة والواضحة، وبنقدها الجريء لتصنيفات الهوية. عملٌ يُعتبر من العلامات الفارقة في الكتابة المسرحية الفرانكفونية المعاصرة.”
أما موقع SudArtCulture الفرنسي فكتب في مراجعته: “مونولوغٌ رائعٌ بأداءٍ مدهش لباربارا فيراجيولي، التي جعلت شخصية دنيا تنبض بالحياة. قصة شخصية تتقاطع بعمق مع التاريخ الكبير المعاصر. برافو!”.
بالنسبة إلى طه عدنان، كانت المشاركة في لقاءات سابام تجربة إنسانية وفنية استثنائية: “لقد كان الحوار بين النص والأداء والجمهور صادقًا وعميقًا. شعرت بأن دنيا تُسمَع تمامًا كما أردتها: صوتًا أنثويًا حرًّا في وجه الصمت”.
وقد فتحت هذه المشاركة آفاقًا جديدة للتعاون، إذ أبدى مخرج فرنسي وفرقة مسرحية اهتمامًا بإعداد عرض مسرحي كامل عن دنيا.
دنيا، التي سبق تقديمها في نسخة كاتالونية على خشبة المسرح الوطني الكاتالوني ببرشلونة سنة 2022، ضمن تعاون مع المسرح الملكي الفلاماني ودعم من المركز الثقافي موسم، وصدرت بالعربية عن منشورات فاصلة بطنجة في السنة نفسها، تُواصِل اليوم رحلتها بين اللغات والثقافات، مؤكّدة قدرتها على تجاوز الحدود الجغرافية والوجدانية.
وقد صرّح طه عدنان في ختام مشاركته: “أغادر أفينيون بشعور عارم بالامتلاء. فمثل هذه اللقاءات تذكّرنا بأن الأدب والمسرح ما زالا فضاءين نادرين للحوار، حيث تتقاطع الأصوات والهويات لتروي حكاية الإنسان في هشاشته، وفي انبعاثه الدائم من الركام”.