اهتمام بارز بالفنون والثقافة طبع أحدث دورات “موسم أصيلة الثقافي”، أبرز المواعيد الثقافية المغربية المستمرة منذ ما يقرب نصف قرن، الذي يختتم أولى دوراته بعد رحيل مؤسّسَيه التشكيلي محمد المليحي والمسؤول السياسي والثقافي محمد بن عيسى، بعد أسبوعين من النقاش الثقافي والفني والسياسي، المهتم بمسار الرئيس الراحل لمؤسسة منتدى أصيلة، وبافتتاح معارض فنية جديدة، وتقديم مؤلفات، ونقاش مستجدات إفريقية مثل المبادرة الأطلسية المغربية، فضلا عن الاستمرار في مبادرات تهتم بتنمية ارتباط الأطفال بالفنون والقراءة.
وشهدت الدورة السادسة والأربعون افتتاح معرض للتشكيلي المغربي البارز عبد الكريم الوزاني، ومناقشة لـ”ملامح التميز في تجربته التشكيلية، باعتباره فنانا وأستاذا وأحد الذين دبروا الشأن الفني، أخلص لرؤيته، واختار دربًا فنّيًا” خاصا يميّزه في المشهد التشكيلي المغربي.
وخلال فعاليات الموسم الثقافي، تسلّمت الشاعرة الإيفوارية البارزة تانيلا بوني جائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي في دورتها الثالثة عشرة، التي تقدمها مؤسسة منتدى أصيلة، “اعترافا بمسارها الفكري، وقيمة إسهاماتها الشعرية، وعمق أبعادها الإنسانية”.
وقد ترأس لجنة تحكيم الجائزة وحضر تقديمها الشاعر السنغالي البارز أمادو لامين صال، رئيس مسار البينالي الدولي للشعر في دكار، الذي سبق أن توّج بجائزة تشيكايا أوتامسي بأصيلة. ورافقته في الاختيار لجنةٌ، أعضاؤها: الكاتب والصحافي الموريتاني بيبوس ديالو، والشاعر والأستاذ الجامعي المغربي نبيل منصر، وأبو مبو، أستاذ الآداب العليا والمدير السابق للكتاب والقراءة السنغالي، ومحمد ندا الكاتب ورئيس المجموعة الإفريقية للبروز والتواصل الإيفواري، وكاترين سافارت، مديرة مسرح كريسطال بباريس الفرنسية، وحاتم البطيوي، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة.
ومن بين النقاشات نقاش جمع أكاديميين وفنانين حول “الفن والتقنية”، وكان مما أثير فيه أن “التقنية لم تُضِف بعدًا جماليًا جديدًا فحسب، بل أسهمت أيضًا في بلورة وعي فني معاصر يُجسّد التحوّلات الثقافية والتكنولوجية لمجتمعاتنا الراهنة”، مع التساؤل في عصر التداخل بين الفن والتقنية: “هل ما زال بإمكان الفن أن يحافظ على جوهره الإنساني في زمنٍ تهيمن فيه الخوارزميات والذكاء الاصطناعي؟ وهل ستكون التقنية خادمة للإبداع أم بديلًا عنه؟”.
كما جمع نقاش آخر الأكاديميين والفنانين في أصيلة حول موضوع “المؤسسة الفنية والإنجاز”، وهي ندوة اهتمت بتقييم دور المؤسسات الفنية للمتاحف والأروقة والمراكز الثقافية والمؤسسات الخاصة بوصفها فاعلا ثقافيا معاصرا يدعم الفنانين والتيارات المعاصرة في العالم، ويحتضن التجارب، وتفاعل الفنون البصرية مع الفنون الأخرى ومحيطها، وإتاحتها برامج الإقامة، والمنح، وتشجيع اهتمام الجمهور وورش العمل.
إحدى هذه المؤسسات الفنية في المغرب، مؤسسة منتدى أصيلة نفسها، التي تستقبل منذ عقود ورشات وإقامات فنية تجمع فنانين تشكيليين من العالم، وعرضت هذه السنة في معرضها الافتتاحي أربعة عقود من إبداع الأطفال بأصيلة، خلال الورشات الفنية المخصّصة للأجيال الجديدة، منذ متم سبعينات القرن العشرين والمستمرة إلى اليوم، في المعبر التاريخي، والمعرض، المؤدي إلى “قصر الريسوني” أو “قصر الثقافة”، علما أن من بين ما استمر في هذه الدورة السادسة والأربعين، “مشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل” الذي يلتقي فيه التلاميذ بكتّاب وأدباء يتفاعلون مع عوالمهم نقاشا وكتابة.
كما يحتضن رواق محمد بن عيسى للفنون الجميلة في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية معرضا للفنان المهتم بالتشكيل والحرف السوري خالد الساعي، يتفاعل فيه مع مدينة أصيلة التي شارك في أنشطتها الفنية لما يزيد عن عقدين، بتزامن مع معرض آخر للفنانة البحرينية لبنى الأمين، ضيفة ورشات الفنون بأصيلة، عنوانه “جوار البحر”.
وفضلا عن نشر كتاب جديد في أربعمائة صفحة، بعنوان “محمد بن عيسى.. رجل الدولة وأيقونة الثقافة”، قدّم موسم أصيلة الثقافي كتبا جديدة هي: “رحلة الحج على خطى الجد” للكاتب والإعلامي الموريتاني عبد الله ولد محمدي، والمجموعة القصصية “الحلم في بطن الحوت” للمسؤول الوزاري والدبلوماسي المغربي السابق محمد سعد العلمي، و”بداية النسيان” للروائي والأستاذ المتخصص في الأنثروبولوجيا السياسية محمد معزوز.
وحول سؤال الاستمرارية، أجاب حاتم البطيوي، الأمين العام الجديد لمؤسسة منتدى أصيلة، بأن الموعد سيستمر على رسالته؛ لأن الرئيس المؤسس للمنتدى محمدا بن عيسى قد “غرس نبتة طيبة سرعان ما أينعت وتحولت إلى شجرة فيحاء امتدّت أغصانها وظلالها شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا، وصار لها محبون في كلّ الأقطار، لأنّها انطلقت من روح خيّرة، ومن أجل أهداف نبيلة، تعلي من شأن الفكر والإبداع، وتضع شرف القيم الإنسانية السامية فوق كلّ اعتبار”.