آخر الأخبار

العسكرة والسلطوية تعطبان الاقتصاد .. رئيس الجزائر يعترف بجائحة الفساد

شارك

قال خبراء مغاربة متخصصون في الشأن الإستراتيجي إن إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استرجاع بلاده ما يقارب 30 مليار دولار من الأموال المنهوبة لا يعد إنجازًا بقدر ما يشكل اعترافًا رسميًا بعمق الفساد المستشري في مفاصل الدولة الجزائرية، مؤكدين أن الفساد في الجارة الشرقية ليس ظاهرة عابرة، بل هو جزء من بنية ممنهجة تغذيها شبكات السلطة والجيش.

وأوضح الخبراء أن “هذا الاعتراف لا يمكن فصله عن التحالف التاريخي بين النظام السياسي والمؤسسة العسكرية في الجزائر، وهو التحالف الذي سمح باستمرار مناخ الإفلات من العقاب، وتعطيل آليات الرقابة والمحاسبة”، موردين أن “زواج المصالح بين الفساد والاستبداد، الذي يجد جذوره في مرحلة ما بعد الاستقلال، مازال قائماً بقوة، وهو ما يعرقل أي مسار حقيقي للإصلاح أو الانتقال الديمقراطي”.

وسجل تبون في خطاب له بمقر وزارة الدفاع الوطني بثه التلفزيون الرسمي أمس الجمعة أن بلاده “استرجعت 30 مليار دولار من الأموال المنهوبة”، واعترف بأن “إسبانيا سلّمت الحكومة الجزائرية فندقا من 5 نجوم، كان قد اشتراه أحد رجال الأعمال الجزائريين بعدما هرّب أموالا من البلاد”، وقال إن “الاستيراد المزيف وصل إلى 62 مليار دولار”.

نظام مشبوه

عبد الفتاح الفاتيحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، قال إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون “يبصم رسميًا على ماضٍ عريق في الفساد وانعدام الشفافية”، مشيراً إلى أن ذلك يأتي نتيجة “تحالف مستدام بين النظام والجيش”، في ما وصفه بـ”تكريس تام للاستبداد”، الذي “ظلت تتخبط فيه الجزائر منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين”.

وأضاف الفاتيحي لهسبريس أن “استمرار تضارب المصالح بين أقطاب السلطة، بما يشبه زواجاً كاثوليكيا بين الفساد والاستبداد، يجري بمباركة نظام حكومي يغض الطرف عن الانتهاكات”، لافتاً في هذا السياق إلى أن “الجزائر احتلت المرتبة 117 عالميًا في مؤشر مدركات الفساد لعام 2021، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، وهو مؤشر يعكس عمق الأزمات الهيكلية التي تعاني منها البلاد في مجال الشفافية والمساءلة”.

وأوضح الباحث الإستراتيجي أن “الفساد لا يقتصر على القطاع العام فقط، بل يستفحل أيضاً في القطاع الخاص، ولاسيما في المجالات الخاضعة لنفوذ المؤسسة العسكرية، مثل المواد الأساسية كالغذاء، والأدوية، ومواد البناء، والتبغ والأسلحة، وقطاعات إستراتيجية كالبنية التحتية”، معتبرا أن “هذا التمدد يعود إلى تحكم الجيش في مفاصل الاقتصاد، ما يقوّض كل محاولات الإصلاح أو الشفافية”.

وفي ما يتعلق بتصريحات تبون بشأن استرجاع الأموال المنهوبة شدد المتحدث على أن الرئيس الجزائري “لم يكشف عن الآلية المعتمدة في هذه العملية”، ما يجعل ما يتم الإعلان عنه “مجرد محاولة لذر الرماد في العيون”، وتابع: “الاحتكار السلطوي من طرف نخبة ضيقة يفضح نسق الاستبداد السائد في البلاد، ويؤكد أن بيئة الفساد السياسي والإداري مازالت قائمة، بل ومحمية من رأس الهرم”.

واختتم الفاتيحي تصريحه بالقول إن “قوة النظام العسكري الجزائري تقوم على قمع أي محاولة لفصل سلطاته عن الموارد الاقتصادية ومقدرات البلاد”، موردا أن تبون، بإعلانه عن استرجاع أموال منهوبة، “يعترف ضمنياً بحجم الفساد الذي ساهم في التستر عليه، وبأن ما يُكشف عنه اليوم لا يمثل سوى الشجرة التي تخفي غابة كاملة من الفساد، في ظل التحالف القائم بين المصالح الاقتصادية للنخبة الحاكمة وممارسات النظام العسكري”.

بيئة فاسدة

البراق شادي عبد السلام، الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتدبير الصراع، قال إن “التصريحات الصادرة عن القيادة الجزائرية مؤخرًا لا يمكن قراءتها إلا كمناورة سياسية تهدف إلى تجميل صورة النظام أمام الرأي العام المحلي والدولي”، موضحا أن “الأرقام التي يتم الترويج لها بشأن استرجاع أموال الفساد تُبث دون أي توثيق مالي دولي مستقل”.

واعتبر البراق، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، أن “غياب تفاصيل شفافة حول آليات الاسترداد وقيمتها الحقيقية يثير شكوكاً عميقة حول مصداقية الرواية الرسمية”، مشددا على أن “الإصرار على تضخيم هذه الأرقام ليس سوى محاولة واضحة للتغطية على الفشل الهيكلي في محاربة الفساد من جذوره، وليس مجرد التعامل مع نتائجه الظاهرة”.

كما انتقد المتحدث الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن تحقيق نسبة نمو اقتصادي تصل إلى 3.9 بالمائة، باعتبارها تتفوق على دول حوض المتوسط، مؤكداً أن “هذا الادعاء يفتقر إلى الأسس الموضوعية ويُعد محاولة تجميلية لواقع اقتصادي هش، يعتمد بشكل شبه كامل على تقلبات أسعار الطاقة في الأسواق العالمية”.

وأضاف الخبير ذاته: “هذا النمو لا يعكس جاذبية استثمارية حقيقية، بل هو نتيجة طفرة ظرفية في سوق المحروقات”، لافتا إلى أن الإشارة المتكررة إلى “دول صديقة”، كإسبانيا، قدمت الدعم أو ساندت الجزائر اقتصاديا، “لا يمكنها إخفاء الحقيقة المتمثلة في بيئة استثمارية تعاني من الجمود الإداري وغياب الضمانات القانونية، ما يجعل الحديث عن الجاذبية الاقتصادية مجرد تعبير دبلوماسي فضفاض”.

من جهة أخرى وصف البراق تأكيد الرئيس الجزائري على رفض اللجوء إلى المديونية مقابل التلويح بإمكانية الاستدانة لتمويل مشاريع ضخمة بأنه “تخبط في رسم السياسة المالية، يُظهر وجود ضغوط حقيقية على الموازنة العامة تتجاوز ما يتم التصريح به علناً”.

وأشار المتحدث في هذا الإطار إلى مشروع الفوسفات، الذي يُروَّج له كفرصة إستراتيجية لتحقيق الريادة، معتبراً أن “المشروع ينذر بتحوله إلى بؤرة جديدة للهدر المالي والفساد الإداري”، ومؤكداً أن “دوافعه ليست اقتصادية بقدر ما هي جيوسياسية، تهدف إلى التضييق على مصالح المغرب، المنتج العالمي الأول للفوسفات، في خطوة تفتقر إلى دراسات دقيقة ورصينة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا