آخر الأخبار

الملك محمد السادس يدعو إلى عدالة مجالية حقيقية وإرساء تنمية منصفة

شارك

أفرد الملك محمد السادس حيزا مهما من الخطاب الذي ألقاه أمس الجمعة تحت قبة البرلمان، بمناسبة افتتاح السنة الأخيرة من الولاية التشريعية الحالية، لقضايا التنمية والعدالة المجالية في العالم القروي والمناطق الجبلية بالمغرب، حيث اعتبر أن “مستوى التنمية المحلية هو المرآة الصادقة التي تعكس مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن، الذي نعمل جميعا على ترسيخ مكانته”.

وأكد ملك البلاد في خطابه أن “العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ، أو أولوية مرحلية قد تتراجع أهميتها حسب الظروف، وإنما نعتبرها توجها استراتيجيا يجب على جميع الفاعلين الالتزام به، ورهانا مصيريا ينبغي أن يحكم مختلف سياساتنا التنموية”، مضيفا أن “التحول الكبير الذي نسعى إلى تحقيقه على مستوى التنمية الترابية، يقتضي تغييرا ملموسا في العقليات وفي طرق العمل، وترسيخا حقيقيا لثقافة النتائج، بناء على معطيات ميدانية دقيقة، واستثمارا أمثل للتكنولوجيا الرقمية”.

ودعا إلى “إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، بما يراعي خصوصياتها وطبيعة حاجياتها، وخاصة مناطق الجبال والواحات… فلا يمكن تحقيق تنمية ترابية منسجمة بدون تكامل وتضامن فعلي بين المناطق والجهات”، مشددا على ضرورة “إعادة النظر في تنمية المناطق الجبلية، التي تغطي 30 في المائة من التراب الوطني، وتمكينها من سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصياتها ومؤهلاتها الكثيرة”.

كما دعا الملك إلى “توسيع نطاق المراكز القروية، باعتبارها فضاءات ملائمة لتدبير التوسع الحضري والحد من آثاره السلبية، على أن تشكل هذه المراكز الناشئة حلقة فعالة في تقريب الخدمات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية من المواطنين في العالم القروي”.

مدخل سياسي وتشريعي

محمد الديش، منسق الائتلاف الوطني لأجل الجبل، قال: “نسجل بتقدير كبير مضامين الخطاب الملكي الأخير التي يمكن اعتبارها، مرة أخرى، إقرارا بغياب العدالة المجالية وبالفوارق المجالية الصارخة التي سبق أن تحدث عنها ملك البلاد عبر ما سماه مغرب السرعتين في خطاب العرش، والآن يكرره بشكل مُلح على أساس أن تنمية المناطق الجبلية وتحقيق العدالة المجالية في هذه المناطق، التي رغم ثرواتها وغناها المادي والثقافي والحضاري والتاريخي، إلا أنها تعيش جميع مظاهر الهشاشة، خاصة ما يتعلق بغياب الخدمات الأساسية والبنيات التحتية الضرورية، أمر لا غنى عنه في بناء المغرب الذي نريده”.

وأضاف الديش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المطلوب بعد هذا الخطاب الملكي الذي حمل الكثير من التوجيهات، هو إعادة النظر في السياسات المتبعة تجاه الجبل، واعتماد استراتيجيات متوسطة وبعيدة الأمد لمعالجة قضاياه التنموية وأولوياته الملحة، عوض البرامج المعزولة والمشاريع الجزئية”.

وأشار إلى أن “بداية هذه الاستراتيجيات يجب أن تظهر عاجلا في قانون المالية لسنة 2026، تعبيرا من الحكومة عن إرادة سياسية حقيقية في تنزيل هذه الرؤية الملكية، وتحقيق مطالب وتطلعات الساكنة القروية والجبلية بالمغرب في العدالة المجالية، التي تعد الطريق الأساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع المواطنين”.

وأكد أن “المطلوب اليوم أيضا هو إعادة النظر في الممارسات والتمثلات عن المناطق الجبلية، التي لا تطلب الصدقات، وإنما تطلب الإنصاف في السياسات العمومية، لأنها غنية بالموارد غير المستغلة، كما أنها مصدر للمياه والغابات وعمق المغرب الحامل لقيمه وأصالته. وبالتالي، فما جاء في الخطاب الملكي يحتاج إلى آذان صاغية، لأنه يتبين أن سياسات الجهاز التنفيذي في واد، والتوجيهات الملكية في واد آخر”.

وخلص الديش إلى أنه “إلى جانب المدخل السياسي، هناك أيضا المدخل التشريعي من خلال الإسراع بإخراج قانون الجبل، الذي ليس ترفا تشريعيا، وإنما ضرورة أساسية لتأطير السياسات العمومية ذات الصلة وربطها بالقانون، الذي يجب أن يُلزم هذه السياسات ويكون الخيط الناظم بين البرامج القطاعية والسياسات العمومية”.

التنمية والتقائية السياسات

أوضح يونس التايب، خبير في قضايا الحكامة الترابية وسياسات الإدماج والتنمية المحلية، أن “من بين ما ركز عليه الخطاب الملكي، الأثر التنموي لمختلف البرامج الذي يكون مهما حين يلمسه المواطنون في مجالاتهم الجغرافية وواقعهم المعيشي المباشر، خاصة في المناطق البعيدة والهشة. وفي هذا التوجيه الملكي تجسيد لإرادة جعل العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية توجها استراتيجيا، وليس مجرد شعار مرحلي تتراجع أهميته أو تتزايد بحسب الظروف”.

وأضاف: “لذلك، هناك مسؤولية تقع على كاهل جميع الفاعلين، وعليهم الالتزام بها، لأن جلالة الملك يعتبر الرهان التنموي في المغرب مصيريا، وينبغي أن يكون محوريا في مختلف سياساتنا التنموية؛ إذ في امتداد واضح لما حمله خطاب العرش، ألح الملك على وجوب العناية بالمناطق الأكثر هشاشة، خاصة في الجبال والواحات التي تستحق سياسة عمومية مندمجة تراعي مميزاتها المتنوعة. وبالتالي، فإن المسألة التنموية تستدعي مسؤولية كل الأطراف في تحقيق الأهداف عبر استراتيجيات ناجعة وبرامج واضحة الأثر، ضمن حكامة جيدة ترتكز على البعد المجالي والتشاركية”.

وشدد المصرّح لهسبريس على أن “هناك تحولا مأمولا في نهج تدبير التنمية، الذي يتعين أن يتجاوز الهواجس الكمية الأفقية، والمؤشرات الماكرو-اقتصادية ذات البعد التقني الصرف، والتحول إلى نسق تدبيري يجمع بين الهاجس التعبوي والقيمي المجتمعي، عبر سياسات عمومية وبرامج تحقق أهداف الإنصاف المجالي والإدماج التنموي والتضامن المجتمعي، وتمنح السلطات العمومية وشركاءها، من مجتمع مدني وإعلام ومواطنين، القدرة على التعاطي السريع مع التحديات التنموية التي تطرحها المجالات الترابية الهشة والمتوسطة. وهذا تحدٍّ غير هين، يتطلب تحديثا عميقا لأنماط التدبير العمومي الكلاسيكية”.

وحول الأولويات التي يجب التركيز عليها في تدبير قضايا المناطق القروية والجبلية بالمغرب، ذكر الخبير ذاته أن “هناك أولويات مختلفة تتغير قوتها من منطقة لأخرى، لكن، على العموم يمكن ذكر قضية تدبير الموارد المائية، حيث لا يمكن قبول وجود مجالات لا تتوفر على مياه الشرب والسقي الفلاحي، ثم دعم التمكين الاقتصادي للأسر في المناطق الجبلية، خاصة النساء والشباب، من خلال تعزيز قدرتهم على المحافظة على الدخل، وبشكل خاص عبر توسيع الدعم الاجتماعي المباشر لمستحقيه، وتشجيع مشاريع تنموية تخلق فرص شغل للشباب في العالم القروي”.

كما أشار المتحدث ذاته إلى “تعزيز جهود فك العزلة عن بعض الجيوب التي تعاني في فترات الظروف المناخية القاسية، وتوفير المسالك والطرق التي تلعب دورا أساسيا في تشجيع المبادرات الاقتصادية والتجارية، وتقوية شبكة الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وولوج إلى فرص التكوين المهني والتقني”، مؤكدا أن “الدور المنتظر من القطاعات الحكومية المعنية، وكذا الجماعات الترابية والجهات، في تنزيل هذه الرؤية الملكية، هو دور كبير ومسؤولية عالية تستدعي قدرا كبيرا من الكفاءة والجدية في التنسيق والتكامل”.

وخلص يونس التايب إلى “أهمية تكثيف التواصل مع المواطنين لتقوية الثقة والشفافية، ووضع برامج التنمية الترابية الكفيلة بتحقيق العدالة المجالية بأسلوب تشاركي يدمج السكان والمجتمع المدني، ويقدم حلولا جديدة، إضافة إلى تطوير التقائية السياسات العمومية وضبط حكامة تدبير الموارد والإمكانيات المتاحة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا