تحتفل النساء المغربيات بالعاشر من أكتوبر هذه السنة، وهو اليوم الوطني للمرأة المغربية، في سياق اجتماعي وسياسي واقتصادي دقيق، تطغى عليه التحديات المعيشية وتتصاعد فيه أصوات الشباب المطالبين بإصلاحات جذرية وبإرساء عدالة اجتماعية حقيقية.
وفي هذا الصدد، اعتبرت بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، أن الاحتفال بهذه المناسبة لا يمكن أن يكون مجرد محطة رمزية، بل لحظة تأمل في واقع النساء ومكامن الخلل التي تعيق مسار المساواة والكرامة، ومحطة للتقييم والنقد والدعوة إلى التحرك العاجل.
وقالت رئيسة الجمعية، بشرى عبدو، إن “الاحتفال باليوم الوطني للمرأة لا ينبغي أن يكون مناسبة بروتوكولية، بل لحظة للتأمل في واقع النساء المغربيات ومعاناتهن اليومية في مواجهة الفقر والعنف والإقصاء، في وقت ترتفع فيه أصوات الشباب، نساء ورجالا، مطالبة بعدالة اجتماعية حقيقية تضمن الكرامة للجميع”.
وأضافت عبدو، في تصريح لـ”العمق”، أن المغرب “راكم مكاسب مهمة في مجال تمكين النساء، إلا أن عددا من المؤشرات الاجتماعية والقانونية ما تزال تثير القلق وتستدعي يقظة جماعية ومسؤولية مشتركة، لضمان أمن النساء وحماية حقوقهن دون تمييز”، مشددة على أن المساواة “لا تتحقق بالشعارات بل بالقرارات السياسية الجريئة التي تضع المرأة في صلب السياسات العمومية”.
وعبرت الناشطة الحقوقية، عن تضامنها مع الشابات المشاركات في التحركات السلمية لجيل زد، معتبرة أن الدفاع عن حقهن في التعبير والمشاركة السياسية هو “اختبار حقيقي لمدى احترام الدولة لحقوق الإنسان” لأن “حماية صوت الشابات واجب ديمقراطي قبل أن يكون مطلبا حقوقيا”، مؤكدة على أن أي مجتمع لا يصغي لنبض شبابه “محكوم عليه بالجمود”.
وتوقفت عبدو، عند ضرورة التعجيل بإصلاح القانون الجنائي والقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، معتبرة أن المراجعة المنتظرة تشكل “فرصة تاريخية لتقوية المنظومة القانونية وتوسيع حماية النساء والفتيات من مختلف أشكال العنف، بما في ذلك العنف الرقمي الذي يتزايد بشكل مقلق”.
ودعت ذات المتحدثة، إلى إحالة مشروع القانون الجنائي في صيغته الجديدة، ومشروع التعديل الخاص بمحاربة العنف ضد النساء، على البرلمان خلال الدورة الخريفية الحالية، لأن التأخير المتكرر “يفرغ الخطاب الرسمي من محتواه، ويجعل النساء في مواجهة واقع قانوني غير منصف وغير مواكب للتحولات الاجتماعية”، وفق تعبيرها.
وبخصوص إصلاح مدونة الأسرة، ترى عبدو، أن مرور أكثر من عشرة أشهر على إحالة مشروع المدونة إلى اللجنة الوزارية دون تقديم الصيغة النهائية إلى البرلمان “يبعث على القلق”، لافتة إلى أن التأخر في إخراج هذا النص إلى الوجود “يمدد معاناة آلاف النساء والأطفال الذين ينتظرون عدالة أسرية منصفة”.
وتابعت: أن “النص المرتقب يجب أن يُبنى على مبادئ الدستور وروح الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، وأن ينص على مساواة حقيقية في الحقوق والمسؤوليات بين الزوجين، بما يضمن كرامة المرأة ومصلحة الطفل واستقرار الأسرة”.
وبحسب عبدو، فإن “مدونة الأسرة الحالية لم تعد قادرة على مواكبة تحولات المجتمع المغربي، ولا على معالجة الإشكالات الجديدة التي يفرزها الواقع الاجتماعي”.
وفي موضوع العنف، عبرت بشرى عبدو عن انشغالها العميق إزاء تفاقم حالات العنف ضد النساء، خاصة جرائم القتل الأسري التي تكررت خلال الأشهر الأخيرة.
وأكدت، على ضرورة “تعزيز آليات الوقاية والحماية وجبر الضرر وضمان عدم إفلات المعتدين من العقاب”، مع إحداث نظام وطني موحد لرصد وتتبع حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، في أفق صياغة سياسة عمومية مندمجة وشمولية لمناهضة العنف.
وزادت: “لا يمكن الحديث عن مساواة حقيقية في ظل استمرار نساء وفتيات في دفع حياتهن ثمنا لصمت مؤسساتي أو ثغرات قانونية”.
وفي ما يخص تزويج القاصرات، اعتبرت عبدو، أن استمرار هذه الظاهرة “يشكل جرحا مفتوحا في جسد المجتمع المغربي”، مضيفة أن الوقت قد حان لـ”إلغاء الاستثناء المنصوص عليه في مدونة الأسرة الذي يشرعن زواج الطفلات تحت مسمى الرخصة القضائية”.
ودعت إلى تبني برامج تربوية ومجتمعية وتوعوية شاملة، ترافق الإصلاح القانوني، وتواجه الأسباب الثقافية والاجتماعية التي تبرر هذه الممارسة، معتبرة أن “زواج القاصرات ليس خيارا اجتماعيا بل انتهاك لحقوق الطفلات ومستقبلهن”.
وشددت على أن اليوم الوطني للمرأة “يجب أن يكون يوم التزام ومساءلة، لا مناسبة للاحتفال الرمزي”، داعية إلى تحويل الخطاب إلى فعل، والاحتفال إلى سياسات عمومية قائمة على العدالة والمساواة والإنصاف، لأنه “لا يمكن أن نبني مغربا عادلا بنصف المجتمع فقط، المساواة بين النساء والرجال ليست ترفا سياسيا، بل ركيزة للتنمية والديمقراطية وكرامة الإنسان”، وفق تعبيرها.