أعلن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن اختتام مؤتمراته الإقليمية من مدينة الداخلة، بعد تنظيم 72 مؤتمرا على امتداد التراب الوطني، في خطوة تنظيمية توصف بالأكبر خلال الفترة السياسية الراهنة، وتأتي في سياق دقيق يتميز بتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية وتنامي القلق الشعبي من أداء الأغلبية الحكومية.
واعتبر الحزب أن هذه الدينامية غير المسبوقة تعكس رغبته في إعادة بناء الثقة مع المواطنين، وتوسيع قاعدة المشاركة الداخلية، وتجديد نخبه المحلية والإقليمية استعدادا لخوض المرحلة المقبلة، وعلى رأسها المؤتمر الوطني الثاني عشر المرتقب أيام 17 و18 و19 أكتوبر الجاري ببوزنيقة.
اختيار مدينة الداخلة لاختتام المؤتمرات الإقليمية لم يكن مجرد قرار تنظيمي، حسب ما أوضح الاتحاد الاشتراكي، بل خطوة سياسية محمّلة بدلالات رمزية، تؤكد ارتباط الحزب العميق بالثوابت الوطنية وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية. وقد حرصت قيادة الحزب على التأكيد أن انعقاد المؤتمر في الداخلة يجسد الانخراط في الرؤية الملكية لتنمية الأقاليم الجنوبية وجعلها جسرا للتعاون جنوب جنوب ومنصة استراتيجية للتكامل الإفريقي.
وسجل الحزب الاشتراكي ضمن “رسالة الاتحاد” الصادر في عدد اليوم الثلاثاء من جريدة “الاتحاد الاشتراكي” لسان حال الحزب، أن اللقاء شكل أيضا مناسبة للوقوف على التطورات التنموية التي تعرفها جهة الداخلة وادي الذهب، وتأكيد دعم الحزب للمقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الحل الجاد والواقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
تأتي هذه الدينامية التنظيمية في وقت تشهد فيه البلاد احتجاجات اجتماعية تقودها فئات واسعة من الشباب، خصوصا من الجيل الجديد الذي يعبر عن رفضه للسياسات الحكومية التي يعتبرها منحازة ومتناقضة مع مطالب العدالة الاجتماعية. وفي هذا السياق، يحرص الاتحاد الاشتراكي على إبراز موقعه كقوة سياسية مسؤولة تستمع لنبض الشارع، وتربط بين العمل الميداني والطرح السياسي الجاد.
ولفت حزب “الوردة”، إلى انه خلال المؤتمرات التي نظمت في مدن مثل فاس وأزيلال وبن سليمان والفقيه بن صالح واليوسفية ودرب السلطان وابن مسيك، تم انتخاب قيادات إقليمية جديدة تمثل توازنا بين التجربة والخبرة من جهة، والانفتاح على كفاءات شابة من جهة أخرى، في مسعى إلى خلق نخب حزبية قريبة من المواطنين وقادرة على التأطير والمبادرة.
وأبرز المصدر ذاته، أن عدد من المؤتمرات الإقليمية، تميزت بحضور جماهيري لافت، خاصة في مدينة فاس التي شهدت جلسة افتتاحية حضرها المئات من المواطنين، ما اعتبره الحزب دليلا على استمرار ارتباط قاعدته الشعبية به، رغم كل التحولات التي شهدها المشهد الحزبي في السنوات الأخيرة. واعتبر الاتحاد أن ما جرى في فاس لم يكن فقط تجديدا للهياكل، بل تجديدا للثقة في الفكرة الاتحادية ذاتها.
وأكدت قيادة الحزب أن هذه المؤتمرات شكلت لحظة سياسية للتفاعل مع قضايا الناس الحقيقية، من التعليم والصحة إلى البطالة وغلاء المعيشة، في وقت غابت فيه الحكومة عن التواصل مع الشارع، واكتفت بخطاب إنشائي لا يرقى إلى مستوى الأزمة.
المؤتمر الوطني الثاني عشر للحزب، الذي سيعقد ببوزنيقة، من المرتقب حسب قيادة الاتحاد الاشتراكي للوقات الشعبية، أن يشكل تتويجا لهذه الدينامية، ومنعطفا هاما في مسار الاتحاد الاشتراكي، إذ سيتم خلاله مناقشة واعتماد الأوراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنظيمية التي ستوجه عمل الحزب خلال الاستحقاقات المقبلة، وعلى رأسها الانتخابات التشريعية لسنة 2026 والجماعية والجهوية لسنة 2027.
وسيعمل المؤتمر، وفق المصدر نفسه، على بلورة مشروع سياسي مجتمعي جديد يأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والإقليمية والدولية، ويعيد الاعتبار للسياسة باعتبارها فعلا مسؤولا ومتصلا بمطالب الناس، بعيدا عن الشعبوية أو التدبير التقني البارد.
يرى قادة الحزب أن الدينامية التنظيمية الحالية لا تقتصر على تجديد النخب، بل تعكس مراجعة شاملة لطبيعة الفعل الحزبي ذاته. فالحزب يسعى إلى استعادة أدواره التأطيرية والاقتراحية، والانفتاح على المواطنين في مختلف الجهات، وتمكينهم من المساهمة في صياغة البدائل والسياسات، بعيدا عن منطق التسيير النخبوي أو الولاءات الضيقة.
وفي هذا الإطار، يؤكد الحزب أن التنظيم الحزبي ليس مجرد هياكل إدارية، بل رافعة لبناء فكر سياسي واضح ومسؤول، وتجديد العلاقة بين الحزب والمجتمع، في أفق بلورة يسار ديمقراطي واقعي يعيد ربط السياسة بقيم العدالة والكرامة والمواطنة الكاملة.
يشدد الاتحاد الاشتراكي على أن المغرب في حاجة إلى يسار قوي، مستقل، ومتجذر، يملك الجرأة على طرح الأسئلة الصعبة وتقديم البدائل الممكنة، ويؤمن بأن الإصلاح لا يتم من أعلى، بل من القاعدة إلى المؤسسات. ومن هذا المنطلق، فإن ما يقوم به الحزب من تجديد لهياكله ليس فقط استعدادا لمؤتمر وطني، بل تأسيس لمرحلة جديدة تعيد الاعتبار للفعل الحزبي كأداة للتغيير.
من الداخلة إلى بوزنيقة، يراهن الاتحاد الاشتراكي على تحريك المشهد السياسي من خلال دينامية تنظيمية وفكرية متواصلة، تعكس إرادة قوية في المساهمة في بناء تعاقد اجتماعي جديد، قائم على الشفافية والمساءلة والعدالة الاجتماعية. فالحزب، الذي راكم تجربة طويلة في النضال الديمقراطي، يعيد اليوم ترتيب صفوفه من أجل مستقبل سياسي مختلف، يؤمن أن السياسة لا تكون ذات معنى إلا إذا انطلقت من قضايا الناس، واستجابت لتطلعاتهم في التنمية والكرامة والحرية.