في خضم التفاعلات المتواصلة مع تعبيرات الغضب والاحتجاج التي تشهدها الساحة الوطنية فيما سمي بـ”جيل Z”، أكد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أحمد بوز، أن الحق في الاحتجاج والتعبير عن المطالب لا يتطلب بالضرورة تكوينا دستوريا، بل هو حق مشروع يعكس وعيا جماعيا جديدا وموقفا من السياسات العمومية القائمة.
وقال بوز ضمن توضيحات حول الأسئلة السياسية والدستورية التي يطرحها شباب “جيل Z”، إن من الخطأ التعامل مع الشباب المحتجين على أنهم يجهلون الدستور أو يطالبون بما لا يتيحه القانون، مذكرا بحالة دستورية واقعية شهدها المغرب سنة 2017 عندما قرر الملك إعفاء رئيس الحكومة المكلف آنذاك عبد الإله بنكيران، وتعيين شخصية أخرى من نفس الحزب، وهو ما ورد في بلاغ رسمي للديوان الملكي واعتُبر تفسيرا لنص وروح الدستور.
وأكد أستاذ القانون الدستوري بجامعة الرباط، أن هذه الواقعة تبرهن على أن السياسة في المغرب لا تنفصل عن السلطة الملكية، وأن الشباب حين يعبرون عن مواقف سياسية أو يطالبون بتغييرات، فإنهم لا يعبرون من فراغ أو جهل، بل من موقع إدراك للواقع السياسي.
وفيما يتعلق بالدعوات إلى الحوار مع المحتجين، يرى أستاذ القانون الدستوري أن الحوار لا يمكن أن يكون مجرد تمرين بروتوكولي أو محاولة لامتصاص الغضب الاجتماعي، بل يجب أن يُترجم إلى قرارات سياسية جريئة تعكس اعترافا حقيقيا بالمطالب المرفوعة وتقدم حلولا ملموسة. وأوضح أن الشباب الذين خرجوا إلى الشارع لا يمثلون تنظيما مركزيا يمكن دعوته إلى مائدة حوار رسمي، بل هم نتاج وعي اجتماعي تلقائي يعكس تحولا عميقا في العلاقة بين المواطن والمؤسسات.
إقرأ أيضا: أحمد بوز يكتب: جيل “Z” وروح حركة 20 فبراير
وانتقد بوز بشدة الخطاب الذي يطالب الشباب بتقديم حلول تقنية أو مقترحات ملموسة، معتبرا أن دور هؤلاء المحتجين لا يتمثل في صياغة البرامج أو كتابة السياسات العمومية، بل في دق ناقوس الخطر ولفت الانتباه إلى أعطاب بات الجميع يدرك وجودها. وقال إن محاولة تحميل الشباب مسؤولية تقديم البدائل لا تعدو أن تكون التفافا على المسؤوليات الحقيقية التي تقع على عاتق الفاعلين السياسيين والمؤسسات الحاكمة.
وفي سياق متصل، اعتبر بوز أن دعوة الشباب إلى الانخراط في الأحزاب السياسية يجب أن تراعي وضعية هذه الأحزاب أولا، مشيرا إلى أن أغلب التشكيلات الحزبية فقدت شرعيتها وتأثيرها في المجتمع، وتحولت إلى أدوات لتدبير المصالح وتوزيع المناصب، بدل أن تكون فضاء سياسيا حقيقيا يستقطب الطاقات ويعبر عن نبض الشارع. وأضاف أن الأزمة لا تكمن في عزوف الشباب عن الأحزاب، بل في عجز الأحزاب عن التجديد والانفتاح والارتباط الفعلي بقضايا الجيل الجديد.
وختم بوز توضيحاته بالتأكيد على أن الاحتجاجات الأخيرة ليست سوى مرآة لواقع اجتماعي وسياسي مضطرب، تميز بتدهور الثقة في المؤسسات، وبتفاقم الأزمات الاجتماعية والمعيشية، داعيا إلى تغيير حقيقي في أسلوب تدبير الشأن العام، وإلى استيعاب الرسائل التي تحملها هذه التعبيرات الشعبية بوعي ومسؤولية، قبل أن تنفجر بشكل غير قابل للضبط.