آخر الأخبار

قبل تصويت مجلس الأمن.. زخم مغربي وضغوط أمريكية يضعان مستقبل "المينورسو" على المحك - العمق المغربي

شارك

تتجه أنظار الدوائر الدبلوماسية الدولية بقلق وترقب نحو نيويورك، حيث يستعد مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر الجاري للتصويت على قرار تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء المغربية “المينورسو”، لكن هذا التصويت السنوي لم يعد مجرد إجراء روتيني؛ بل تحول إلى محطة مفصلية قد تعيد رسم معالم النزاع الممتد لعقود، في ظل متغيرات جيوسياسية عميقة تضع البعثة الأممية ومستقبلها في قلب العاصفة.

وفي هذا السياق المشحون، أصدر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أحد أبرز مراكز الأبحاث في العاصمة الأمريكية، تقريرا تحليليا معمقا خلص إلى أن التطورات الدبلوماسية الأخيرة تعزز بشكل غير مسبوق الموقف المغربي، بينما يتحول دور “المينورسو” من مهمة تنظيم استفتاء “بات غير قابل للتحقيق سياسيا” إلى أداة عملية لتثبيت وقف إطلاق النار، في وقت تتجه فيه القوى الكبرى نحو دعم سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية كحل واقعي ونهائي.

وأوضح التقرير، الذي أعدته الباحثتان سهير مديني من وزارة الخارجية الفرنسية والدكتورة سابينا هينبرج الخبيرة في شؤون المنطقة، أن التصويت المرتقب يجري في ظل تداخل ثلاثة عوامل رئيسية؛ أولها يتمثل في الزخم الدبلوماسي المغربي المتصاعد، حيث تمكنت الرباط من حشد دعم تاريخي من قوى كبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن.

أما العامل الثاني فيرتبط بالضغوط الأمريكية الرامية إلى خفض ميزانيات حفظ السلام، إذ تزامنت الجلسة مع مساعي إدارة الرئيس ترامب لتقليص مساهماتها بأكثر من 800 مليون دولار، وهو ما يضع بعثة صغيرة مثل “المينورسو” أمام ضغط مباشر، بينما يتمثل العامل الثالث في تآكل فكرة الاستفتاء، بعدما غابت الإشارة إليه عن قرارات مجلس الأمن منذ عقدين، وهو ما أفرغ المهمة الأصلية للبعثة من محتواها السياسي.

تسونامي دبلوماسي يكرس مغربية الصحراء

ويفصّل التقرير كيف أن اعتراف الولايات المتحدة في ديسمبر 2020 بسيادة المغرب على صحرائه شكل “نقطة تحول استراتيجية”، فتحت الباب أمام سلسلة من المواقف الدولية الداعمة، حيث تم تأكيد هذا الموقف الأمريكي في أبريل الماضي خلال لقاء وزير الخارجية ماركو روبيو بنظيره المغربي ناصر بوريطة.

ولم يقتصر الأمر على واشنطن، ففي يوليو 2024، جاء الموقف الفرنسي ليعزز هذا التوجه، حين صرح الرئيس إيمانويل ماكرون بوضوح أن “حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يكمنان ضمن سيادة المغرب”. وبعدها بأسابيع، انضمت المملكة المتحدة إلى هذا الركب، واصفة مبادرة الحكم الذاتي المغربية بأنها “الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وواقعية للتوصل إلى حل دائم للنزاع”.

ويرى التقرير أن هذا الاصطفاف الثلاثي (الأمريكي-الفرنسي-البريطاني) قد أضعف بشكل كبير أطروحة جبهة “البوليساريو” الانفصالية، وعزل داعمتها الرئيسية الجزائر، مما يجعل أي تغيير جوهري في ولاية “المينورسو” خلال التصويت المقبل أمرا محتملا جدا.

وعلى عكس ما تروج له أطراف النزاع الأخرى، يؤكد التحليل أن المغرب “لم يطالب قط بإنهاء بعثة المينورسو”. بل على العكس، انخرطت الرباط في “تعاون بناء” مع البعثة، إدراكا منها لدورها العملي في حفظ الاستقرار ومنع التصعيد العرضي.

وبحسب التقرير، فإن الرؤية المغربية تتجه نحو تطوير مهمة “المينورسو” وتحويلها من بعثة مراقبة عسكرية إلى بعثة ذات طابع سياسي، على غرار بعثة الأمم المتحدة في العراق، لتسهيل المفاوضات نحو تطبيق “مقاطعة صحراوية ذاتية الحكم” ضمن السيادة المغربية.

الجزائر في مواجهة العزلة الدبلوماسية

في المقابل، يرسم التقرير صورة قاتمة للموقف الجزائري. فعلى الرغم من أن الجزائر لا ترغب في فراغ أمني أو تصعيد مسلح على حدودها، إلا أنها وجدت نفسها معزولة بشكل متزايد داخل مجلس الأمن. ويستشهد التقرير بتجربة التصويت في عام 2024، حين فشلت الجزائر في تمرير أي من تعديلاتها المقترحة على القرار، مما دفعها في النهاية إلى الامتناع عن التصويت في مشهد عكس حجم عزلتها.

ويشير محللو معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى أن الجزائر قد تتبنى “نهجا أكثر براغماتية” هذه المرة لتجنب إحراج دبلوماسي آخر، مستدلين برد فعلها “المقيس” على الموقف البريطاني الأخير. ومع ذلك، تبقى مقاربتها للملف حاسمة نظرا لدورها الرئيسي في احتواء “البوليساريو”.

ورغم إقراره بأن “المينورسو” تجاوزت مهمتها الأصلية، إلا أن التقرير حذر من أن إنهائها بشكل مفاجئ يُعتبر خطوة محفوفة بالمخاطر نظرا لدورها العملي في تثبيت وقف إطلاق النار الهش. وبدلا من ذلك، دعا إلى الشروع في بناء أسس لخروج تدريجي ومدروس، مقترحا على الولايات المتحدة بصفتها “حامل القلم” للملف، تبني خارطة طريق واضحة للدفع نحو تغيير جذري في طبيعة ولاية البعثة أو حتى وضع جدول زمني لإنهائها.

وتشمل خارطة الطريق التي اقترحها المعهد، تعيين مبعوث أمريكي رفيع للملف، وتشجيع المغرب على بلورة خطة “الحكم الذاتي الحقيقي” في إطار عملي، وإشراك الجزائر بشكل كامل وبنّاء في النقاشات، وتعزيز التنسيق الأمريكي-الفرنسي للوصول إلى تسوية نهائية تكرس الحل السياسي الواقعي الذي ينسجم مع سيادة المغرب على صحرائه ويضمن الاستقرار الدائم في المنطقة.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا