أكدت المعارضة بمجلس النواب أن احتجاجات “جيل Z” كشفت عن فشل الحكومة وأزمة سياسية حقيقية في تدبير القطاع الصحي، معتبرة المطالب المرفوعة مشروعة، ودعت إلى اعتماد الحوار والاستماع بدلا من المقاربة الأمنية، مشددة على ضرورة تحقيق إصلاحات صحية عاجلة وملموسة، لأن المواطنين لا يمكنهم الانتظار سنوات طويلة لإنجاز البنيات أو تخريج الأطباء، محذرة في الوقت نفسه من الانزلاقات الخطيرة التي قد تسيء لسلمية المطالب وتفقدها مشروعيتها.
أكد رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، خلال اجتماع للجنة القطاعات الاجتماعية، لمناقشة عرض وزير الصحة والحماية الاجتماعية حول إصلاح المنظومة الصحية، ارتباطا بالتطورات الأخيرة المرتبطة باحتجاجات “جيل z”، أن حزبه يعبر عن تضامنه الكامل مع المطالب التي وصفها بـ”المشروعة”، داعيا الحكومة إلى اعتماد الحوار والإنصات كسبيل وحيد لمعالجة الوضع، بدل اللجوء إلى العنف أو التجاهل، مشددا على أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع، حكومة ومعارضة، في تدبير مثل هذه اللحظات.
وفي الوقت الذي عبّر فيه عن تفهّمه لغضب المحتجين، أدان حموني بشكل واضح وصريح “الانزلاقات الخطيرة” التي عرفتها بعض التحركات، وخاصة أحداث يوم أمس، والتي تخللتها أعمال تخريب واعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة، بالإضافة إلى استهداف رجال الأمن. وقال في هذا الصدد: “نرفض تماما هذه السلوكات الخارجة عن طابع الاحتجاج السلمي، لأنها تسيء للمطالب وتفقدها مشروعيتها”، مؤكدا أن مثل هذه التصرفات لا تخدم لا المحتجين ولا الحكومة ولا الوطن.
ودعا حموني الشباب المغربي إلى الحفاظ على سلمية تعبيرهم، وعدم الانجرار وراء مظاهر العنف، مشددا على أن المغرب اليوم ليس هو مغرب التسعينيات، بل قطع أشواطًا مهمة على درب الإصلاح والانفتاح. وختم مناشدًا الجميع، فاعلين ومؤسسات، إلى التفاعل الإيجابي والمسؤول مع مطالب الشارع، وفتح قنوات حوار حقيقي يعيد الثقة ويضمن الاستقرار.
في سياق متصل، أشار إلى أن عرض الوزير كشف عن تحقيق منجزات ملموسة، خاصة في ما يخص تعيين الأطباء ورفع الطاقة السريرية، وإنجاز مستشفيات جديدة ومتخصصة، رغم كل الإكراهات التقنية والإدارية. لكن حموني لا يخفي أن المواطن، خصوصا في بعض المناطق، ما يزال يعاني من ضعف الأداء على الأرض: مستشفيات قرب تُبنى أو تُعلن عنها سنوات قبل أن تفتح أبوابها، أو تظل الخدمات ناقصة بعد افتتاحها، مضيفا أن المواطن لا يهمه الخطابات بقدر ما يهُمّ الواقع: أن يجد المستشفى، الطبيب، الفحص، المعدات كلها متوفّرة.
من جهته، أكد النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي، حسن لشكر، أن الوضع الصحي الراهن بالمغرب يشهد “مرحلة انتقالية دقيقة”، تتطلب الكثير من الجرأة والإبداع في التدبير، مشيرا إلى أن الإصلاحات الكبرى الجارية، رغم أهميتها، لن تترجم إلى أثر ملموس قبل عام 2029 أو 2030، في حين أن المواطن “لا يمكنه انتظار اكتمال البنيات أو تخرج الأطباء ليحصل على حقه في العلاج”.
وشدد لشكر على أن القطاع الصحي، ورغم التطورات التي عرفها في العقود الأخيرة، لا يزال يعاني من اختلالات حقيقية، خاصة على مستوى التجهيزات والموارد البشرية، مستشهدًا بما تعانيه مدينة الرباط بعد إغلاق مستشفى ابن سينا، والضغط الكبير الذي يتحمله مستشفى مولاي يوسف، دون أن تواكب هذه التحولات بخطة انتقالية واضحة تضمن استمرار الخدمة الصحية بشكل لائق.
كما دعا البرلماني الاتحادي إلى طرح تساؤلات جوهرية حول قدرة الدولة على تشغيل البنيات الاستشفائية الجديدة، متسائلا عن الميزانية المرصودة للمستشفى الجامعي الجديد بالرباط، وعن مدى توفر الأطر الكافية لتشغيله دون التأثير على باقي المؤسسات الصحية، مؤكدا أن “المواطن يشعر بالابتزاز أحيانا”، وأن مسؤولية تأمين المرفق الصحي العمومي هي مسؤولية جماعية لا يمكن التنصل منها.
من جانبه، أكد النائب البرلماني محمد أوزين، عن الفريق الحركي بمجلس النواب، أن الاحتجاجات الأخيرة تعكس غضبا مشروعا لشباب يعانون من التهميش والبطالة، لكنه شدد على أن المطالب الصحية التي رفعها المواطنون يجب أن تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي، بعيدا عن الوعود الانتخابية التي رفعت سقف التطلعات دون تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن.
وأشار أوزين إلى التحديات الكبيرة التي تواجه تنزيل الورشة الصحية، مشددا على أن العملية تحتاج إلى وقت، لكنه حذر من “الذاكرة القصيرة” للمغاربة الذين ينتظرون بسرعة نتائج ملموسة على أرض الواقع، خاصة في ما يتعلق بالولوج إلى الخدمات الصحية المجانية مثل الأدوية والفحوصات، منتقدا بشكل لاذع ما وصفه بـ”وساطة الأدوية” وارتفاع أسعارها داخل المغرب مقارنة بالخارج، مؤكدا أن هذا الأمر يهدد ثقة المواطن في النظام الصحي.
كما سلط النائب الضوء على المشاكل الكبرى في المستشفيات المغربية، خاصة على مستوى النظافة، تدبير الموارد البشرية، والاختلالات في توزيع الأطباء، مثيرا أزمة مستشفى الرشيدية كمثال صارخ على ضعف البنية التحتية، مؤكدا أن الحلول ممكنة لكن يجب الاستعجال في اتخاذ إجراءات ملموسة، داعيا إلى تحفيز الجامعات والمراكز الصحية المحلية للمساهمة في سد الخصاص المهول في الأطر الطبية، مطالبا الحكومة بضرورة فتح قنوات حوار جدي مع الأطقم الصحية لضمان استمرارية وجودة الخدمات.
في سياق متصل، وجه النائب البرلماني مصطفى الإبراهيمي، عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، انتقادات حادة للحكومة ووزير الصحة، مؤكدا أن الأوضاع الصحية المتردية والاحتجاجات الأخيرة تكشف عن أزمة سياسية حقيقية وفشل ذريع في تدبير القطاع الصحي، محذرا من اعتماد المقاربة الأمنية في التعامل مع غضب الشباب، مشددا على ضرورة تحمل الحكومة مسؤولياتها بدلا من تصعيد الأزمة عبر تدخلات أمنية.
وأشار الإبراهيمي إلى تراجع دور الأحزاب السياسية في تمثيل الشباب، واصفا عضها بـ”الأحزاب الوظيفية” التي تفقد ثقة المواطنين بسبب فسادها وضعف فعاليتها، كما ندد بغياب النقابات الحقيقية التي كانت تقوم بدور الوساطة والحوار المجتمعي، مما أفسح المجال لاحتضان النقاش عبر المنصات الرقمية فقط. ورأى أن هذه العوامل ساهمت في خروج الاحتجاجات الشعبية بعفوية ورفض الاستغلال السياسي.
كما شكك الإبراهيمي في الأرقام الرسمية المتعلقة بميزانية الصحة، مؤكداً أن الزيادات لم ترتقِ إلى المستوى المعلن، وأن ملايين المواطنين محرومون من التغطية الصحية الحقيقية، ما أدى إلى أزمة حادة في المستشفيات العمومية التي وصفها بـ”المفلسة”. ووجه اتهامات مباشرة للوزارة بالفساد عبر صفقات مشبوهة تتعلق بالنظافة والرقمنة، فضلا عن تدمير معهد باستور الوطني عبر نقل اختصاصاته لشركة خاصة لا تقوم بالتصنيع الحقيقي للقاحات، ما يعرض الأمن الصحي الوطني لخطر جسيم.