آخر الأخبار

تغطية "فرانس 24" لاحتجاجات "جيل Z" تثير انتقادات واسعة في المغرب

شارك

منذ اندلاع الاحتجاجات التي ارتبطت بما سُمّي إعلامياً بـ”جيل زد”، أثارت قناة “فرانس 24” جدلاً واسعاً حول طريقة تغطيتها للأحداث، إذ ركزت بشكل لافت على هذه التعبيرات الاحتجاجية في مختلف نشراتها وبرامجها. المراقبون اعتبروا أن القناة اعتمدت مقاربة انتقائية من خلال استضافة أصوات بعينها معروفة بمواقفها المنتقدة، مقابل غياب التنوع المطلوب في وجهات النظر الذي يُفترض أن يميز العمل الصحافي المتوازن.

متابعة النشرات الإخبارية تكشف أن القناة لم تكتف باستضافة ضيوف من اتجاه واحد، بل كثّفت من عرض صور ومقاطع احتجاجية مصحوبة بشهادات اتهامية، الأمر الذي اعتُبر خروجاً عن وظيفة الإعلام في تقديم رواية شاملة متعددة الأبعاد، واقتراباً من بناء سردية أحادية. هذا النهج ساهم، بحسب محللين، في تكريس صورة نمطية عن المغرب، ترتكز على مشاهد التوتر وتغفل السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تؤطر الأحداث.

المثير أن هذا الأسلوب التحريري لم يُطبَّق بالقدر نفسه في فرنسا ذاتها، حيث شهدت البلاد اضطرابات داخلية واسعة عقب أزمة سياسية انتهت بانهيار حكومة فرانسوا بايرو. ورغم اعتقال المئات وتصاعد العنف في مدن كبرى، لم تحظَ هذه الأحداث بتغطية مكافئة من القناة، إذ اكتفت بإشارات مقتضبة وخطاب هادئ، ما يعكس تناقضاً بين تعاطيها مع الاحتجاجات الداخلية ومقاربتها للحركات الاجتماعية في الخارج، وعلى رأسها المغرب.

ويحذر مراقبون من أن هذا التفاوت في المعالجة يهدد بمصداقية القناة، ويُحوّلها من وسيلة إخبارية إلى طرف مؤثر في صناعة الرأي العام الدولي. ومع غياب التوازن بين المصادر والزوايا، يصبح الخطاب الإعلامي عرضة للتأويل باعتباره أداة ضغط سياسي، وهو ما يُضعف ثقة الجمهور ويخدش صورة البلدان المعنية بالتغطية.

غياب التوازن والحيادية

في تعليق له حول هذا الموضوع، قال الإعلامي والباحث في العلوم السياسية، سعيد بركنان، إن “الدولة الفرنسية مطالَبة بإعادة صياغة خط تحرير هذه القناة بما يتوافق مع مواقف وتوجهات سياستها الخارجية، وضبط التجاذبات والصراعات الداخلية داخل هيئة تحريرها، وبالتالي إبعادها عن صياغة مواقف إعلامية تعاكس المواقف الرسمية لباريس”.

وأشار بركنان، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن “هذه القناة أُنشِئت بقرار من الرئيس الأسبق جاك شيراك في بداية القرن الحالي، خاصة بعد فشل فرنسا وعجزها عن التعريف بمبادئ سياستها الخارجية، خصوصاً ما يتعلق برفض الغزو الأمريكي للعراق، أمام الرأي العام الدولي والعربي”، مبرزاً أن “ما يقع الآن داخل هذه القناة وبرامجها، خاصة فيما يتعلق ببعض القضايا الإقليمية والقضايا الداخلية للدول، ومحاباتها لطرف على حساب آخر، واعتماد أسلوب التجييش عبر فسح المجال لأسماء دون أخرى، يُعدّ خروجاً واضحاً عن الأهداف التي أُنشئت من أجلها”.

وأوضح الإعلامي ذاته أن “الخط التحريري لقناة (فرانس 24) بلغاتها الثلاث أصبح يميل نحو تحفيز التصعيد في تغطية بعض الأحداث، مثلما يقع في تغطيتها للاحتجاجات الشبابية الأخيرة التي خرجت في عدة مدن مغربية للمطالبة بإصلاحات اجتماعية في إطار ما بات يُعرف بحركة (جيل زد)، وهي تغطية لا تتسم أبداً بالحيادية وتفتقر للتوازن والموضوعية واحترام أخلاقيات مهنة الصحافة، لتتحول إلى منبر للتأثير السياسي بدلاً من نقل الوقائع بحياد”.

وشدد على أن “مردّ ذلك أساساً غلبة تيارات معينة داخل إدارة هذه القناة وقاعات التحرير بها، والتي تنتمي إلى دول بعينها، خاصة الجزائر، وتستغل هذا المنبر لتفريغ مواقفها المعادية للمصالح المغربية ووحدته الترابية، مثلما ظهر في عديد برامجها ونشراتها الإخبارية”، مسجلاً أن “الخارجية الفرنسية هي التي تتحمل بالدرجة الأولى مسؤولية التعاطي الإعلامي غير الموضوعي مع قضية الاحتجاجات في المغرب، والتي يجب أن تتدخل لتصحيح هذا الوضع”.

وخلص إلى أن “الواضح أن الخارجية الفرنسية غير قادرة على احتواء بعض التيارات في الدولة العميقة التي تصوغ أجندات بعض الإعلام الفرنسي، كصحيفة (لوموند) وغيرها”، مشدداً على أهمية “إصلاح المنظومة الإعلامية في المغرب التي تفتقر إلى منبر إعلامي دولي يدافع عن قضاياه الوطنية وسياساته الخارجية في المنطقة العربية والإفريقية، ومواجهة حملات التضليل والاستهداف التي تطاله من قنوات إعلامية دولية وعربية أيضاً”.

ضرب صورة المملكة

من جهته، اعتبر عمر المرابط، الباحث المختص في العلاقات المغربية الفرنسية ونائب العمدة السابق بفرنسا، أن “لجوء قناة (فرانس 24) في تغطيتها مؤخراً للمظاهرات في المغرب إلى عرض صور من الأحداث التي شهدتها دولة نيبال يكشف عن محاولات غير نزيهة لضرب صورة المملكة المغربية وسمعتها الدولية من طرف جهات ما داخل هذه القناة، خاصة من أطراف يُرجّح أنها تنتمي إلى البلد الجار”.

وأوضح المرابط، في معرض حديثه مع هسبريس، أن “المسؤولين المغاربة مطالبون بالتواصل مع نظرائهم في فرنسا للاستفسار حول هذه التوجهات، خاصة في ظل تمثيل هذه القناة للخارجية الفرنسية، وفي سياق عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وباريس إلى سابق عهدها بعد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء في إطار مخطط الحكم الذاتي”، مؤكداً أن “بعض أعداء المغرب يستغلون هامش حرية الصحافة في فرنسا لاستهداف المملكة عبر تغطيات إعلامية غير عادلة”.

وذكر المتحدث ذاته أن “القنوات الفرنسية العمومية تغلب عليها بعض الجهات اليسارية المعروفة بمواقفها غير الودية تجاه المغرب، وبالتالي فإن الإعلاميين الذين ينجزون تقارير داخل هذه القنوات تكون لديهم خلفيات إيديولوجية تجعلهم يمرّرون مواقف معينة من خلالها”، مشدداً على أن “القنوات التلفزية المغربية مطالَبة بالانخراط في تغطية هذه الاحتجاجات بالشكل الذي لا يسمح لأي قناة أجنبية بصياغة رواية أو سردية ما حولها يمكن أن تجتذب المشاهد المغربي نفسه وتؤثر على مواقفه”.

واعتبر المرابط أن “هناك في الإعلام الفرنسي صنفاً يبحث دائماً عن الأخبار المثيرة ليسلّط الضوء عليها من أجل جلب المشاهدات، وبالتالي فلا يمكن القضاء على هذا النوع من الإعلام. ولذلك فإن المغرب مطالب بتطوير إعلامه الرسمي، خاصة لمواجهة الخطابات الموجَّهة التي تسعى إلى التشويش على صورته وتقويض حضوره الإقليمي والدولي، لأن الإعلام اليوم لم يعد مجرد وسيلة لنقل الخبر، بل أضحى سلاحاً استراتيجياً في معركة تشكيل الرأي العام وصناعة التصورات عن الدول”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا