رفعت وكالة “ستاندرد آند بورز”، الرائد العالمي في الخدمات المالية، التصنيف الائتماني السيادي للمغرب إلى BBB-/A-3 بدل +B/BB، لتتمكن المملكة من استعادة تصنيف “درجة الاستثمار” الذي فقدته سنة 2021.
وأوضحت الوكالة أن هذا القرار يعكس صلابة الأسس الماكرو اقتصادية وصمود الاقتصاد المغربي بفضل الإصلاحات المنفذة وفق التوجيهات الملكية، فيما جاء هذا الرفع الائتماني للمرة الثانية على التوالي خلال الولاية الحكومية الحالية، بعدما كانت النظرة المستقبلية تحولت في مارس 2024 من “مستقرة” إلى “إيجابية”.
ويكتسي القرار أهمية خاصة في ظل تراجع تصنيفات عدد من الدول، بما فيها دول متقدمة، فيما يرتقب أن تسهل استعادة التصنيف ولوج المغرب إلى التمويل الدولي بشروط أفضل، وتخفض كلفة الدين العمومي؛ كما من شأنها تعزيز ثقة المستثمرين والشركاء، ورفع جاذبية المملكة للاستثمار الأجنبي المباشر، ما سيدعم النمو الاقتصادي المستدام.
شدد خبراء “ستاندرد آند بورز” خلال تبريرهم حيثيات إعادة المغرب إلى “درجة الاستثمار” على أن الاقتصاد المغربي أثبت مرونته في مواجهة الصدمات الاقتصادية المتتالية، وآخرها الاضطرابات التي أصابت التجارة العالمية بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية، مؤكدين أن آفاق النمو الاقتصادي تظل قوية، مع توقع نمو الناتج الداخلي الإجمالي الحقيقي بمعدل متوسط قدره 4 في المائة خلال الفترة 2025-2028، على أساس أن هذه الآفاق تبقى معرضة لمخاطر تغير المناخ وتأثيراته السلبية على الإنتاج الفلاحي.
ويعتقد الخبراء أن الأداء الاقتصادي الأخير للمغرب مدعوم مع آفاقه المستقبلية بمزيج السياسات العامة والإصلاحات الهيكلية والاجتماعية والمالية القوية، التي يُتوقع أن تستمر في المساهمة في مزيد من هيكلة وتنويع الاقتصاد، فيما استشرفوا انخفاض عجز الميزانية إلى 3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي بحلول 2026، مدعوما بارتفاع مداخيل الدولة، ما سيؤدي إلى تراجع تدريجي في نسبة الدين العمومي إلى الناتج الداخلي الإجمالي؛ في حين سيبقى عجز الحساب الجاري تحت السيطرة عند متوسط 2.1 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفترة 2025-2028.
واعتمد خبراء وكالة التصنيف الدولي على المعطيات سالفة الذكر في رفع التصنيف الائتماني السيادي للمغرب على المدى الطويل والقصير من “BB+/B” إلى “BBB-/A-3″، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
اعتبر تقرير وكالة “ستاندرد آند بورز”، المرافق لإعلان التصنيف الائتماني الجديد، أن النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المغربي تعكس توازن زخم الإصلاحات الهيكلية التي تدعم النمو الاقتصادي والتنويع وتقليص العجز المالي من جهة، مع استمرار التحديات، مثل انخفاض نصيب الفرد من الناتج الداخلي، وارتفاع البطالة، وهشاشة القطاع الفلاحي أمام التغيرات المناخية، والتوترات الجيوسياسية العالمية من جهة أخرى.
وفي المقابل طرح خبراء الوكالة سيناريو سلبيا على الطاولة، بحيث يمكن أن ينخفض التصنيف إذا انحرف أداء الميزانية بشكل سلبي وكبير عن توقعاتهم الحالية، أو إذا تدهورت الوضعية الخارجية للمغرب بشكل ملحوظ، مثلا بسبب توترات تجارية أو انخفاض الطلب من الشركاء التجاريين؛ فيما قد يرفع التصنيف إذا تحسن نمو الوضعية المالية بما يتجاوز التوقعات الحالية، أو إذا اتخذ المغرب خطوات ملموسة نحو نظام صرف أكثر مرونة.
وتعكس الترقية الجديدة في التصنيف، حسب التقرير ذاته، مزيج السياسات الاقتصادية الكلية الداعمة، التي تسهم بشكل كبير في تعزيز آفاق الاقتصاد الكلي للمغرب، والتقليص التدريجي للعجز المالي، والسيطرة على عجز الحساب الجاري، إلى جانب بيئة تضخم معتدلة واحتياطي كاف من العملات الأجنبية؛ فيما يعتقد الخبراء أن تطبيق السياسات الاقتصادية الكلية التي عالجت مواطن الضعف الهيكلية – في سياق برامج صندوق النقد الدولي التي تشكل مرساة للسياسات – كان حاسما في تعزيز قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات الخارجية المتتالية.
وأشار تقرير الوكالة إلى أن الاقتصاد المغربي والقطاع الفلاحي يظلان معرضين لصدمات مناخية متكررة، ما أدى إلى ارتفاع البطالة واستمرار التفاوتات الجهوية والاقتصاد غير المهيكل، ما أجبر السلطات على تنفيذ خطة عمل واسعة النطاق لمعالجة ندرة المياه، موازاة مع إصلاحات ضريبية وإجراءات لجذب الاستثمارات، وإطلاق السجل الاجتماعي الموحد وتوسيع التغطية الصحية. وعبر الخبراء عن ثقتهم في أن هذه الإصلاحات ستواصل دعم النمو الاقتصادي والتنويع وتوسيع الوعاء الضريبي بما يقلص عجز الميزانية.
انصبت توقعات واضعي التقرير حول ارتفاع نمو الناتج الداخلي الإجمالي الحقيقي إلى متوسط 4 في المائة خلال 2025-2028، مدفوعا بارتفاع الطلب الداخلي، خاصة الاستثمارات والاستهلاك، إذ سمح انخفاض التضخم بتيسير السياسة النقدية وزيادة القدرة الشرائية، متوقعين أيضا أن تستمر قطاعات البناء، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والصناعات التحويلية، والسياحة، في الأداء القوي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النشاط الفلاحي هذه السنة بفضل الأمطار الربيعية الجيدة، رغم بقائه رهينة تقلبات الطقس.
واستشرف الخبراء ارتفاع نصيب الفرد من الناتج الداخلي الإجمالي PIB إلى أكثر من 5700 دولار في 2028 مقابل 4700 دولار في 2025، مع توقعات بأن تؤدي إجراءات تحسين المداخيل الحكومية إلى تقليص العجز نحو 3 في المائة في 2026، مع انخفاض نسبة الدين من الناتج الداخلي الإجمالي إلى أقل من 60 في المائة بحلول 2028، فيما ستظل مدفوعات الفائدة في حدود 7 في المائة من المداخيل.
وسيعوض الأداء القوي للصادرات ارتفاع الواردات جزئيا، خاصة مع تطور القطاعات الموجهة للتصدير، مثل ميناء طنجة المتوسط، أكبر ميناء في إفريقيا، وانتعاش السياحة، موازاة مع توقعات باستمرار هذا الزخم في السنوات المقبلة، بحيث سيؤدي عجز الحساب الجاري إلى زيادة واردات المشاريع الاستثمارية الكبرى؛ لكن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر سترتفع أيضا، ما سيسمح بتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي التي تغطي حاليا 5.5 أشهر من الواردات.
حسب خبراء “ستاندرد آند بورز” سيستمر النمو الاقتصادي بدعم من السياسات الموجهة للاستقرار الكلي والإصلاحات الهيكلية والمالية، ما يعزز التنويع الاقتصادي والإنتاجية والشمولية، موضحين أن الاقتصاد المغربي أظهر أداء قويا خلال النصف الأول من 2025، حيث بلغ نمو الناتج الداخلي الإجمالي 4.8 في المائة على أساس سنوي في الفصل الأول، مدعوما بقطاعات البناء والصناعة والسياحة وتكنولوجيا المعلومات والفلاحة والفوسفاط.
وانخفض معدل البطالة، حسب تقرير وكالة التصنيف الائتماني الدولية، إلى 12.8 في المائة في يونيو الماضي، مقارنة بـ 13.1 في المائة قبل سنة، لكنه يظل فوق مستوى ما قبل الجائحة، فيما ارتفعت عائدات السياحة بنسبة 19 في المائة خلال الفصل الثاني، مؤكدا أنه من المنتظر أن تستفيد الأنشطة الاقتصادية من مشاريع البنية التحتية الضخمة، بما فيها المرتبطة بكأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، إضافة إلى استثمارات في الطاقة والصحة والنقل.
كما سيستفيد المغرب من تعافي اقتصاد منطقة الأورو المتوقع ابتداء من 2026، مع استمرار المخاطر قائمة بسبب التوترات الجيوسياسية العالمية التي قد تؤثر على الطلب الخارجي.
توقع واضعو تقرير “ستاندرد آند بورز” الجديد أن تؤدي الإصلاحات الجبائية (الضريبة على القيمة المضافة، الضريبة على الدخل، الضريبة على الشركات) إلى توسيع الوعاء الضريبي وتحفيز الاقتصاد المهيكل، ما سيرفع المداخيل العامة التي انتقلت من 200 مليار درهم في 2020 إلى 300 مليار درهم في 2024؛ فيما ستعمل الحكومة على تقليص دعم غاز البوتان وبعض المشتقات الطاقية، ما يخفف الضغط عن النفقات.
وينتظر حسب التقرير ذاته أن يستمر انخفاض نسبة الدين العمومي من الناتج الداخلي الإجمالي إلى أقل من 60 في المائة بحلول 2028، فيما سيظل الدين الخارجي في معظمه بشروط ميسرة ولا يمثل سوى ربع الدين المركزي، علما أن المغرب أصدر في مارس 2025 سندات دولية بقيمة ملياري أورو وسط طلب قوي.
ويرتقب أن يتسع عجز الحساب الجاري بشكل طفيف، لكنه سيبقى في حدود 2 في المائة من الناتج الداخلي، مدعوما بالأداء القوي للصادرات والتحويلات، فيما يتوقع ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر بمعدل 20 في المائة سنويا خلال الفترة 2025-2028، على أن يظل التضخم في حدود 2.1 في المائة، وأن تبقى السياسة النقدية داعمة للنمو، بينما سيستمر الربط الجزئي للدرهم بسلة عملات (60 في المائة أورو، 40 في المائة دولار)، مع استمرار الانتقال التدريجي نحو نظام صرف أكثر مرونة.
وسيظل القطاع البنكي المغربي مستقرا نسبيا، مع توقع تحسن ربحية البنوك، مدفوعة بالنمو الاقتصادي وزيادة الإقراض وتحسن جودة الأصول.