أعلن عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أن البنك المركزي طلب من الأمانة العامة للحكومة إعطاء مشروع القانون المتعلق بالعملات الرقمية، الذي تم إعداده بشراكة مع البنك الدولي، أولوية قصوى من أجل مناقشته في البرلمان وإخراجه إلى حيز التنفيذ.
ويجمع الخبراء على أن هذا القانون يمثل خطوة حاسمة لتنظيم السوق الرقمية وتحفيز الاستثمار في هذا القطاع الواعد، مع الحفاظ على الاستقرار المالي وحماية حقوق المستخدمين، إذ يرون فيه إطارًا متوازنًا بين الابتكار المالي والرقابة الصارمة على المعاملات الرقمية لضمان الشفافية ومكافحة المخاطر الاقتصادية والمالية.
وأوضح الجواهري أن الهدف الأساسي هو إخراج المشروع، الذي استغرق إعداده قرابة ثلاث سنوات، إلى الوجود بما يتيح منح الرخص وتتبع النشاط وممارسة الرقابة على المعاملات المرتبطة بالعملات المشفرة، وأضاف أن تقنين العملات المشفرة أصبح ضرورة استعجالية، وهو ما تجلى من خلال توصيات مجموعة العشرين الأخيرة وإجماع البنوك المركزية على أهمية الخطوة التي خطتها المملكة المغربية لتقديم إطار قانوني واضح للعملات الرقمية.
وفي هذا الإطار أوضح يوسف كراوي الفيلالي، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن مشروع القانون يتميز بأهمية قصوى لتنظيم قطاع العملات المشفرة، ويقوم على سبعة محاور رئيسية تبدأ بالاعتراف القانوني الذي يتيح الانتقال من وضعية الحظر إلى عملات رقمية معترف بها قانونياً تخضع لرقابة صارمة.
وتابع كراوي ضمن تصريح لهسبريس: “كما تشمل المحاور وجود جهة منظمة قانونياً، وهي بنك المغرب والهيئات المالية المختصة التي ستشرف على النشاط وتحدد قواعد القطاع، وتشمل كذلك التراخيص التي ستكون إلزامية لجميع منصات التداول لضمان حصول مقدمي الخدمات على ترخيص رسمي قبل مباشرة العمل بالعملات المشفرة. ويولي القانون أهمية كبيرة لحماية المستهلك من خلال وضع قواعد واضحة تتعلق بالشفافية والمخاطر وآليات التعويض لحماية المستخدمين من الاحتيال. كما تم تطبيق معايير لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لضمان تتبع ومراقبة المعاملات الرقمية”.
وبحسب المتحدث ذاته يولي المشروع أهمية للتكامل مع النظام المصرفي لمراقبة تأثير العملات المشفرة على الاستقرار المالي، مع الالتزام بالقوانين البنكية المعمول بها، إضافة إلى تطوير عملة رقمية رسمية يصدرها البنك المركزي لتدعيم الإطار القانوني للنظام المالي.
وأكد الخبير نفسه أن “مشروع القانون، رغم أهميته الكبرى، يواجه مجموعة من المخاطر والتحديات التي تجب مراعاتها، ومنها تحقيق التوازن بين تشجيع الابتكار في التكنولوجيا المالية وحماية النظام المالي من الصدمات والاختراقات، وضمان حقوق المستخدمين، ومنع أي انتهاك لمصالحهم”، وزاد: “كما تشمل التحديات الكلفة التقنية والرقابية العالية لإنشاء بنية تحتية فعالة للتتبع الرقمي والتدقيق والمراقبة والتنسيق مع التشريعات الدولية، نظراً لطبيعة الأصول الرقمية وعالمية تداولها وحماية الخصوصية الفردية، مع الامتثال لمتطلبات الكشف والتتبع لمحاربة الجرائم المالية وربطها بالمعطيات المالية الشخصية”، مردفا: “وأخيراً هناك مقاومة محتملة من بعض الأطراف التي تفضل العمل بالنظام المالي التقليدي أو القطاع غير المهيكل القائم على النقد فقط”.
وتابع كراوي: “يبدو أن المغرب يسعى من خلال هذا القانون إلى مواكبة التحولات العالمية في مجال العملات الرقمية، مع الحفاظ على استقرار النظام المالي ودعم الابتكار المالي وحماية حقوق المستخدمين، في خطوة تعتبر أولى من نوعها على مستوى المنطقة”.
من جهته قال محمد جدري، الخبير الاقتصادي، إن “العملات الرقمية أصبحت واقعاً لا يمكن تجاهله”، مشيراً إلى أن “هناك مجموعة من المستثمرين المغاربة، سواء كانوا صغاراً أو كباراً، يتجهون نحو هذه العملات لما يرون فيها من فرص للربح”.
وأضاف جدري ضمن تصريح لهسبريس: “هذا الواقع يفرض عدة أمور أساسية، أولها أن المغرب يفقد جزءاً من العملة الصعبة المتجهة نحو الخارج، سواء بطرق قانونية أو غير قانونية، وثانيها أن المستثمرين لا يؤدون الضرائب المستحقة على هذه المعاملات، وثالثها أن الاقتصاد الوطني لا يستفيد من إمكانيات التمويل التي توفرها العملات الرقمية”.
وأشار المتحدث إلى أن “تسريع إخراج القانون له أهداف اقتصادية واضحة تتمثل في تنظيم خروج العملات الصعبة بطرق قانونية وتحديد حجمها وكيفية الاستثمار فيها، وكذلك فرض رسوم على عمليات الشراء والبيع بما يشبه النظام الضريبي في البورصة، وبالتالي خلق مداخل ضريبية للاقتصاد الوطني”.
وأردف الخبير ذاته بأن “القانون سيسمح في المستقبل للشركات والمقاولات بالاستفادة من التمويل عن طريق العملات الرقمية، كما هو الحال مع بعض الشركات متعددة الجنسيات التي أصبح جزء من رأس مالها من العملات الرقمية”، مؤكداً أن “إخراج هذا القانون سيعود بالنفع على المملكة المغربية ويشجع المستثمرين المغاربة المترددين خوفاً من المتابعات القانونية على الاستثمار في هذا القطاع، ما يدعم الاقتصاد الوطني ويعزز تنظيم السوق الرقمي”.