حرصت المملكة المغربية على إبراز ثوابتها الراسخة ومقاربتها الواقعية في تدبير النزاع المفتعل حول الصحراء خلال جلسة العمل التي عقدها ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أول أمس الإثنين بنيويورك، مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا، بحضور السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال.
ويأتي هذا اللقاء في سياق مشاورات الوسيط الأممي استعدادا للاستحقاقات المقبلة لمجلس الأمن الدولي، ليؤكد المغرب مجددا على الثوابت التي حددها الملك محمد السادس، القائمة على التوصل إلى حل سياسي واقعي وبراغماتي ودائم، يقوم حصريا على المبادرة المغربية للحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية وفي إطار الوحدة الترابية للمملكة.
وتميز هذا الاجتماع بكونه “جلسة عمل” رسمية، على خلاف ما درجت عليه الممارسة الدبلوماسية من وصف لقاءات سابقة بـ “المباحثات”، ما يعكس دقة الموقف المغربي في هذا الظرف الخاص، وحرصه على تثبيت الطابع المؤسس لمسار الحل السياسي الوحيد تحت السيادة المغربية.
كما توقف اللقاء عند الدينامية الدولية المتنامية الداعمة لمغربية الصحراء، والمؤيدة لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الأساس الوحيد والأوحد للتسوية، في ظل الزخم الدبلوماسي الذي أطلقه الملك محمد السادس، ويترجم عبر افتتاح قنصليات في الأقاليم الجنوبية وتزايد المواقف الرسمية المؤكدة على عدالة وواقعية الطرح المغربي.
الشيخ بوسعيد، الباحث في العلاقات الدولية المهتم بنزاع الصحراء المغربية، قال إن عقد وزير الخارجية ناصر بوريطة جلسة عمل مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا، وبحضور السفير عمر هلال، يعكس حرص المملكة على تثبيت مقاربة مؤسساتية متينة في التعاطي مع هذا الملف الحساس.
وأضاف بوسعيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن اختيار وصف اللقاء بـ”جلسة عمل” بدل “مباحثات”، كما جرت العادة، ليس تفصيلا بروتوكوليا بسيطا، بل مؤشر على إرادة المغرب إرساء تفاعل قائم على وضوح المرجعيات وإبراز الطابع الرسمي لثوابته الوطنية، مذكّرا بأن “هذه الثوابت سبق أن حددها الملك محمد السادس بشكل صريح من خلال التأكيد على حصرية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد وواقعي للنزاع”.
وأبرز المتحدث ذاته أن هذا الموقف المغربي يندرج في سياق دينامية دبلوماسية أوسع، تعززت خلال السنوات الأخيرة بفضل الانخراط المتنامي لعدد من الدول المؤثرة، سواء من خلال فتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية أو عبر بيانات سياسية داعمة للمبادرة المغربية، وهو ما يكرس بحسبه “واقع التحول العميق في موازين النقاش الدولي حول الصحراء المغربية”.
وتابع الباحث عينه: “استطاع المغرب عبر وضوح رؤيته وحضوره المستمر داخل أروقة الأمم المتحدة إقناع شركائه بعدالة طرحه، في وقت ظل يمد اليد للجارة الجزائر من أجل حوار مباشر وصريح لتجاوز هذا النزاع المفتعل”.
وبخصوص مستقبل الملف أكد المهتم بنزاع الصحراء أن جلسات مجلس الأمن المقبلة خلال أكتوبر تشكل محطة لتكريس هذه المكتسبات، خاصة أن الخطابات الملكية الأخيرة أبرزت استعداد المغرب الدائم للانفتاح على كل المبادرات الجادة التي تلتزم بمرجعية السيادة والوحدة الترابية.
وخلص الشيخ بوسعيد إلى أن المغرب اليوم يدخل هذه المرحلة الجديدة من النقاش الأممي وهو أكثر قوة وثباتا، بما يترجم الثقة المتزايدة للمجتمع الدولي في وجاهة مبادرته للحكم الذاتي، ويؤكد أن أي حل خارج هذا الإطار لن يكون قابلا للتنفيذ ولا للدوام.
يرى عبد الله موما، الفاعل السياسي والمهتم بتاريخ الصحراء المغربية، أن التحركات الأخيرة للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، التي توجت بعدد من اللقاءات، سواء مع الأطراف المعنية مباشرة بالنزاع أو مع ممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تحمل في طياتها مؤشرات واضحة على اقتراب لحظة الحسم، بما يخدم المقترح المغربي المتمثل في منح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية.
وأوضح موما، ضمن إفادة لهسبريس، أن هذا التطور لا ينفصل عن المتغيرات الإقليمية والدولية المتلاحقة التي باتت تصب في صالح الطرح المغربي، مشيرا إلى أن “المبادرة المغربية للحكم الذاتي أضحت اليوم محل إجماع متنام، باعتبارها خيارا جريئا وواقعيا يتماشى مع مقتضيات الاستقرار الإقليمي ويعكس التزام المغرب بالحلول السلمية والدائمة”.
وسجل الباحث في العلاقات التاريخية بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء أن “النقاش حول الحكم الذاتي لم يعد مقتصرا على الأوساط الدبلوماسية أو المؤسسات الدولية، بل تجاوز ذلك ليصبح موضوعا متداولا داخل الأقاليم الجنوبية للمملكة، وحتى بين المحتجزين في مخيمات تندوف، حيث يطرح بشكل متزايد كخيار عملي لتجاوز حالة الجمود الطويلة”.
وأكد المتحدث ذاته أن “هذا التقبل الشعبي الواسع للمبادرة المغربية يمثل عنصرا حاسما يعزز مصداقيتها، ويؤشر على أن القضية لم تعد رهينة الحسابات السياسية فحسب، بل أضحت مطلبا مجتمعيا يعكس تطلع الساكنة إلى الاستقرار والتنمية في إطار السيادة المغربية”.
وأنهى عبد الله موما حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن “مسار التسوية بلغ مراحله الأخيرة والحاسمة”، وأن “السياق الدولي والإقليمي الراهن يهيئ الظروف الملائمة لطي نهائي لهذا النزاع المفتعل، على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي والنهائي”.