يتنامى القلق في أوساط المواطنين المغاربة إزاء تفشي تعاطي المخدرات بين القاصرين، بعدما تحولت المشاهد التي تُظهر أطفالا ومراهقين يتعاطون مواد سامة بجانب المدارس وفي الأزقة الشعبية من مجرد لقطات متفرقة تهز مواقع التواصل الاجتماعي إلى ظاهرة مقلقة تهدد مستقبل الأجيال وتزعزع استقرار الأسر.
وباتت هذه الصور، التي تكشف انزلاق فتيان كان يُفترض أن ينشغلوا بالتعلم واللعب، إلى عالم الإدمان والترويج، مؤشرا خطيرا على استهداف الفئة الأكثر هشاشة في المجتمع. فبينما وقع بعضهم ضحية للأقراص المهلوسة والمخدرات، انجرف آخرون إلى لعب أدوار المروجين، ليصبحوا جزءا من دائرة أوسع لتوزيع السموم وسط أقرانهم.
التسجيلات المصورة التي تداولها نشطاء في الأسابيع الأخيرة، والتي تظهر عددا من القاصرين في أوضاع مثيرة للصدمة، أعادت النقاش حول ضعف المراقبة بمحيط المؤسسات التعليمية وفشل السياسات الوقائية في التصدي لهذه الظاهرة، في وقت يتسع فيه نطاق الإدمان ليغدو نزيفا اجتماعيا يثقل كاهل الأسر ويمس تماسكها.
وفي هذا الصدد، عبر أنوار العسري، رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد وحماية المال العام، عن قلق بالغ إزاء تنامي استهلاك وبيع المخدرات بين الأطفال والشباب، مؤكدا أن هذه الظاهرة “لم تعد مجرد حالات معزولة، بل تحولت إلى نزيف اجتماعي يهدد حياة جيل بأكمله”، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من الشباب وجد نفسه إما ضحية للإدمان أو وراء أسوار السجون بسبب جرائم ارتُكبت تحت تأثير المخدرات والأقراص المهلوسة.
وأضاف العسري، أن آلاف الأسر المغربية تعيش مأساة متواصلة بين فلذات أكباد ضاعوا في متاهات الإدمان، وآخرين قضوا بسبب جرعات قاتلة، أو حرموا من مستقبلهم خلف القضبان، معتبرا أن هذا الوضع يشكل خسارة بشرية واقتصادية ونفسية، تثقل كاهل الدولة وتقوض جهود التنمية.
ويرى المتحدث، أن خطورة المشهد تستوجب انخراطا جماعيا تتقاسم فيه كل الأطراف المسؤولية، بدءا من الدولة، التي يقع على عاتقها تشديد العقوبات ضد المروجين وتفعيل برامج وقائية وطنية، مرورا بالأجهزة الأمنية المدعوة لتكثيف الحملات الاستباقية وتجفيف منابع التوزيع، وصولا إلى المجتمع المدني المطالب بزيادة جهود التوعية والتحسيس.
كما دعا العسري، رجال الدين إلى التحذير من خطورة هذه الآفة، والمدرسة إلى تعزيز أدوارها التربوية والتأطيرية، فيما تقع على الأسرة مسؤولية مضاعفة في التربية والرقابة والاحتضان النفسي.
ويتفق خبراء علم الاجتماع وعلم النفس على أن المعالجة الأمنية وحدها لا تكفي لمواجهة هذا الخطر المتنامي، مؤكدين الحاجة إلى مقاربة شمولية تعالج الأسباب البنيوية التي تغذي الظاهرة، مثل البطالة والهشاشة الاجتماعية والهدر المدرسي وانسداد آفاق المستقبل.
ويرى الخبراء، أن توفير بدائل آمنة عبر الاستثمار في التعليم والثقافة والرياضة يشكل عاملا محوريا لإبعاد القاصرين عن براثن الإدمان، وصون جيل بأكمله من الضياع.
وفي ذات السياق، كشف تقرير الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لسنة 2025، عن مؤشرات مقلقة بشأن وضع المخدرات في المغرب، خاصة في صفوف القاصرين.
ووفقا لبيانات عام 2023، ارتفع استهلاك الأدوية ذات التأثير النفسي بشكل غير طبي بأكثر من 10% بين من تقل أعمارهم عن 18 سنة، وهو ما يعكس سهولة الولوج إلى هذه المواد أو غياب تشخيص دقيق للاضطرابات النفسية التي تدفع بعض القاصرين إلى اللجوء إليها.
وأشار التقرير، إلى بداية انتشار تدريجي للكوكايين في أوساط الفئة الشابة، حيث لوحظ ارتفاع طفيف في استهلاكه بين القاصرين مقابل استقرار معدلات الاستهلاك لدى البالغين. أما الهيروين، فقد سُجلت زيادة تتراوح ما بين 5 و10% لدى الفئة نفسها، بالرغم من استقرار الوضع العام.
وفي المقابل، سجل القنب الهندي تراجعا طفيفا في استهلاكه بين القاصرين، مع بقائه مستقرا لدى الفئات العمرية الأخرى.
المعطيات الأممية كشفت أيضا أن 10% من حالات العلاج من الإدمان في المغرب سنة 2021 كانت بسبب تعاطي مادة “الترامادول” كمخدر رئيسي، مع تسجيل تفاوت ملحوظ بين الجنسين، حيث بلغت نسبة النساء 17% مقابل 9% فقط لدى الرجال، ما يضع المغرب ضمن الدول الإفريقية النادرة التي تفوق فيها معدلات إدمان النساء على الرجال في هذا المجال.
وعلى الصعيد القاري، أكد التقرير أن القنب الهندي ما يزال المخدر الأكثر انتشارا من حيث الإنتاج والاستهلاك في إفريقيا، لكنه لم يعد يقتصر على ذلك، إذ تحولت القارة خلال العقد الأخير إلى ممر عبور للكوكايين والهيروين والميثامفيتامين نحو أوروبا.
وخلص التقرير إلى أن الأرقام التي كشف عنها تستدعي من المغرب ومحيطه الإقليمي إعادة النظر في السياسات الوقائية والعلاجية، وإيلاء عناية خاصة بفئة القاصرين التي باتت أكثر عرضة لتأثير المخدرات، وسط سياق اجتماعي ونفسي يرفع من هشاشتها ويضاعف من حدة المخاطر المحدقة بها.