آخر الأخبار

مباحثات دي ميستورا وجبهة البوليساريو .. تعنت سياسي وطروحات متجاوزة

شارك

عقد المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستيفان دي ميستورا، مباحثات مع زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي، أمس الأحد بمخيمات تندوف، وذلك في إطار جولة إقليمية ينتظر أن تقوده لاحقا إلى موريتانيا، قبيل انعقاد جلسات مجلس الأمن الدولي المقررة في أكتوبر المقبل لبحث مستجدات النزاع.

ووفق ما نقلته الأبواق الدعائية للجبهة، والممولة بسخاء من لدن الجزائر، فقد أكد غالي استعداد البوليساريو للانخراط في العملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة لحل النزاع الإقليمي حول الصحراء، مجددا دعمها المساعي الأممية الرامية إلى إعادة إحياء مسار التسوية المتوقف منذ سنوات.

في المقابل كشف المصدر ذاته عن موقف متناقض لزعيم البوليساريو، حين أعرب عن الرفض القاطع لأي “حل لا يقوم على تنظيم الاستفتاء”، مؤكدا أن هذا الخيار يمثل، من وجهة نظر الجبهة، السبيل الوحيد لتسوية النزاع؛ وهو ما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي التي تؤكد منذ سنوات على أولوية البحث عن حل سياسي واقعي، عملي ومتوافق بشأنه بين مختلف الأطراف.

وحضرت اللقاء، على وجه الخصوص، الكندية كارين ويرمستر، المسؤولة في إدارة الشؤون السياسية وصناعة السلام بالأمانة العامة للأمم المتحدة، في تأكيد على الأهمية التي توليها المنظمة لهذه المحطة ضمن تحركات مبعوثها الشخصي، إلى جانب سيدي محمد عمار، ممثل الجبهة في نيويورك والمنسق مع بعثة “المينورسو”.

وتندرج زيارة الوسيط الأممي في سياق المساعي الحثيثة لإعادة إحياء العملية السياسية المتوقفة منذ جولات المائدة المستديرة بجنيف، وسط دعوات أممية متكررة إلى انخراط الأطراف كافة، بما فيها الجزائر، بدون شروط مسبقة وبروح من التوافق والواقعية من أجل التوصل إلى تسوية نهائية لهذا النزاع.

حري بالذكر أن هذه اللقاءات تأتي قبيل الإحاطة التي ينتظر أن يقدمها ستافان دي ميستورا في منتصف شهر أكتوبر أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، وستتضمن خلاصة اللقاءات والمشاورات التي سيجريها مع ممثلي الأطراف المعنية بملف الصحراء المغربية، بهدف تحريك العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.

تعنت سياسي

قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، إن مبعوث الأمين العام الخاص إلى الصحراء “مازال يبحث عن بصيص أمل لإعادة إحياء المسار التفاوضي، قصد التوصل إلى حل سياسي متوافق بشأنه بين أطراف النزاع المفتعل حول السيادة على الصحراء المغربية”، مشيرا إلى أن “تعنت الجزائر في التجاوب مع دعوات المنتظم الدولي يشكل العائق الأكبر أمام انخراط فعلي في جهود الأمم المتحدة والامتثال لقرارات مجلس الأمن الداعية إلى ضرورة المشاركة الجادة في البحث عن حل سياسي عادل وقابل للتطبيق ومقبول من الأطراف”.

وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الأمانة العامة للأمم المتحدة تعي جيدا التحديات التي تواجه ولاية المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا، وترتبط أساسا بامتناع الجزائر أكثر من مرة عن الاستجابة ليد المغرب الممدودة لتذليل العقبات وإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، تمهيدا لتنقية الأجواء السياسية وتهيئة الأرضية لعقد لقاءات مباشرة برعاية أممية، من شأنها المساهمة في حل القضايا العالقة الناتجة عن انعدام التفاهم وتناقض المصالح والمنطلقات”.

ولفت المحلل ذاته الانتباه إلى أن “المسألة تزداد تعقيدا بفعل تنامي الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، والنظر إلى مقترح الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي، مقبول وعادل، ينسجم مع مقتضيات القانون الدولي في ما يتعلق بطرق تسوية النزاعات سلميا”، وزاد موضحا أن “تمدد الدبلوماسية المغربية ومساهماتها الفعالة في تدبير النزاعات الدولية، إلى جانب السمعة التي تحظى بها المملكة في المنتديات السياسية والحقوقية رفيعة المستوى، كلها عوامل تجعل من خيار الحكم الذاتي طرحا يحظى بتأييد متزايد”.

وأوضح نائب منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية” أن الزيارة الحالية لستافان دي ميستورا يمكن اعتبارها محاولة أخيرة لاستطلاع موقف تنظيم البوليساريو المستند أساسا إلى مواقف الجزائر من النزاع، قبل تقديم إحاطته السنوية لمجلس الأمن، مبرزا أن “هذه المحطة تجري في ظل ضغوط دولية متزايدة على ولاية المبعوث الأممي بضرورة تحقيق نتائج ملموسة، استنادا إلى قرارات مجلس الأمن التي تركز على البحث عن حل سياسي واقعي، لا على العودة إلى أوهام ‘الاستفتاء’ الذي وئد منذ بدايته بفعل ممارسات البوليساريو الرامية إلى إغراق لوائح الهيئة الناخبة وفرض واقع لا يمت بصلة إلى خصوصيات المنطقة”.

وعرج المحلل السياسي نفسه في معرض حديثه على أن مخرجات الزيارة تؤكد استمرار تشبث البوليساريو بخيار الاستفتاء، رغم التحذيرات الدولية من أن ذلك يعرقل أي تقدم في مسار الحل منذ سنة 1991، فضلا عن مسؤولية الجبهة في خروقات متكررة لوقف إطلاق النار، والإشراف على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بمخيمات تندوف، متابعا بأن “هذه الانتهاكات تفتح الباب أمام المجتمع الدولي لتكثيف الضغط على الجزائر، باعتبارها الطرف الداعم والمتحكم في الجبهة، من أجل تعديل مواقفها بشكل يسمح بالتوصل إلى تسوية واقعية تضمن كرامة الساكنة، وتنهي خمسة عقود من عدم الاستقرار الذي تعانيه منطقة شمال إفريقيا بفعل رغبات جزائرية جامحة لاقتسام إقليم الصحراء وضمان منفذ إلى المحيط الأطلسي”.

وأنهى عبد الوهاب الكاين حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن الظرفية الراهنة تستوجب حدا أعلى من الحزم الأممي في التعامل مع العراقيل المصطنعة، وعلى أن مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب تظل الطرح الأكثر واقعية وجدّية لإنهاء النزاع، بما يضمن حقوق الساكنة ويحقق الاستقرار والتنمية في المنطقة.

طروحات متجاوزة

سجلت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، أن الموقف الجزائري يظل من بين أبرز العوامل التي تعرقل مسار التسوية السياسية لقضية الصحراء المغربية، مبرزة أن “تلكؤ الجزائر في حسم تموقعها الواضح من النزاع المفتعل يساهم في إطالة أمده، خاصة في ظل محاولاتها المتكررة لاستمالة مواقف دولية تخدم أجندة التقسيم وفرض خيار الاستفتاء، الذي أثبت الواقع الدولي استحالته”.

وأوضحت لغزال، ضمن تصريح لهسبريس، أن “غياب ضغط جدي من المجتمع الدولي على السلطات الجزائرية للوفاء بالتزاماتها القانونية والإنسانية تجاه الصحراويين المحتجزين في تندوف، بما في ذلك ضمان الحماية ومنح المركز القانوني والإشراف على أوضاعهم، يجعل النزاع يراوح مكانه في أروقة الأمم المتحدة”، مشيرة إلى أن “المتضرر الأكبر من هذا الوضع هم الصحراويون أنفسهم، إلى جانب المغرب الذي مازال يتشبث بالمسارات السلمية لتسوية النزاع دون الدخول في مزيد من التوتر مع الجارة الجزائر”.

وأكدت الفاعلة الحقوقية ذاتها أن “أي مسار تفاوضي ناجح يتطلب إقرار جميع الأطراف باستحالة العودة إلى خيار الاستفتاء، لأسباب تقنية وسياسية خبرتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي منذ سنوات”، لافتة إلى أن “الحل السياسي الواقعي والعملي يتمثل في مقترح الحكم الذاتي، الذي يمنح الصحراويين الحق في تدبير شؤونهم المحلية ضمن السيادة المغربية، على قاعدة ‘لا غالب ولا مغلوب'”.

وفي هذا السياق ترى المتحدثة ذاتها أن الحكم الذاتي يمثل الوصفة الملائمة والواقعية التي يمكن أن تنهي هذا النزاع المفتعل، لما يتضمنه من ضمانات قوية ومقومات عملية، مشددة على أن “مجلس الأمن يخطو خطوات متقدمة في بلورة هذا الخيار باعتباره جديا وذا مصداقية، ويتعين على المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة البناء عليه وتوسيعه، عوض الاستمرار في الزيارات المتكررة للمخيمات لسماع الطروحات المتجاوزة نفسها”.

وخلصت مينة لغزال إلى أن “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية يدعم بشكل كامل التوجه الأممي في ترجيح خيار الحكم الذاتي كحل وحيد جدي وواقعي، باعتباره السبيل الأمثل لتحقيق السلم والاستقرار في المنطقة وضمان مستقبل أفضل للصحراويين بالمخيمات، بعيدًا عن الحلول العقيمة التي لم تثمر سوى مزيد من المعاناة والتأخير”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

الأكثر تداولا اسرائيل أمريكا فلسطين حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا