يرى خبراء سياسيون وقانونيون أن اعتراف دول غربية بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة يمثل تحولًا هاماً في مسار القضية الفلسطينية، ويُعد “خطوة تاريخية” نحو ترسيخ حقوق الشعب الفلسطيني. وشددوا بالمقابل على أن هذا التطور يتطلب خطوات عملية وضغوطا فعلية على إسرائيل لضمان تنفيذ حل الدولتين.
في هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أحمد يوسف، إن “الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين يُمثل تطوراً بارزاً، لكنه غير كافٍ بمفرده دون ضغوط فعلية على إسرائيل. واعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام إعلان نيويورك بأغلبية ساحقة (142 دولة) يؤكد على حل الدولتين، إلا أن المعضلة تكمُن في أن الاعترافات السابقة بالدولة الفلسطينية كانت محصورة في الغالب في الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث”.
وأضاف يوسف، في تصريحات لوكالة “ريا نوفوستي”، اليوم الأحد، أن “التحولات في الرأي العام الدولي، خصوصا بعد عملية طوفان الأقصى ورد الفعل الإسرائيلي العنيف عليها، دفعت نحو مواقف جديدة حتى من قبل بعض الدول الأوروبية التي عُرفت تاريخياً بانحيازها لإسرائيل. الاعترافات الأوروبية الجديدة، التي قد تصل إلى عشر دول، لن تكون كافية دون خطوات عملية وضغوط سياسية مباشرة على إسرائيل”.
وأشار إلى أن جذور القضية لم تتناول قرار تقسيم فلسطين صراحةً، إلا أن القرار 242 (الصادر عن مجلس الأمن عام 1967) أكد على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، وهي الأراضي التي تُعد الأساس لإقامة الدولة الفلسطينية المرتقبة.
كما ضرب الخبير المصري مثالاً بموقف “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان قد دعا مع بداية عملية “طوفان الأقصى” إلى تشكيل تحالف دولي ضد حركة “حماس” على غرار التحالف ضد “داعش” (تنظيم إرهابي محظور في روسيا)، لكنه أعلن مؤخرًا اعتزام بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الدورة الحالية للجمعية العامة. وتبعته في ذلك بريطانيا، التي يُنظر إليها بوصفها الفاعل الأصلي للجريمة من خلال وعد بلفور وتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين أثناء فترة الانتداب البريطاني”.
بدوره، أكد المستشار المصري بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو الشوبكي، أن “الاعتراف البريطاني والفرنسي بالدولة الفلسطينية يحمل أهمية كبيرة على المستويين الرمزي والمعنوي، رغم أنه لا تترتب عنه إجراءات عملية أو تبعات مباشرة”، مشيرا إلى أنه “يمثل ورقة ضغط على إسرائيل، خاصة في حالة بريطانيا، التي يجب ألا ننسى أنها صاحبة وعد بلفور الذي منح الشرعية لقيام دولة إسرائيل”.
وأضاف، في تصريحات لـ”ريا نوفوستي”، أن اعتراف بريطانيا اليوم بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة، والعيش بسلام وكرامة مع بقية دول العالم، يُعد خطوة بالغة الدلالة”، موضحا أن “بريطانيا وفرنسا قوتان محوريتان داخل القارة الأوروبية والتحالف الغربي، ومن هنا فإن موقفهما يعزز الضغوط السياسية والدبلوماسية على إسرائيل، حتى وإن ظل في إطاره الرمزي، مثلما كان الحال في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي حظيت فيها الدولة الفلسطينية بتأييد واسع”.
وأكد الخبير في العلاقات الاستراتيجية أن “هذه الخطوة يجب أن تُبنى عليها تحركات أخرى، من خلال مفاوضات وحملة ضغط دولية أشمل لدفع إسرائيل نحو قبول حل الدولتين باعتباره السبيل الواقعي لإنهاء الصراع”.
من جانبها، اعتبرت وكيلة لجنة الشؤون الخارجية والعربية والأفريقية بمجلس الشيوخ المصري، النائبة سماء سليمان، أن “اعتراف بريطانيا وفرنسا بدولة فلسطين يُمثل خطوة تاريخية وانتصاراً لقضية عادلة ناضل الشعب الفلسطيني من أجلها عقوداً طويلة”.
وأشارت، في تصريحات لـ”ريا نوفوستي”، إلى أن “هذه الخطوة تحمل رسالة قوية للمجتمع الدولي بضرورة التحرك لإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”، مؤكدة أن “الموقف الفرنسي والبريطاني يعكس تحولاً نوعياً”.
كما دعت البرلمانية المصرية “بقية الدول الأوروبية والمجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات مماثلة (الاعتراف بالدولة الفلسطينية)”، مؤكدة أن “مصر ستظل داعماً رئيسياً للقضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية”.
من جهته، وصف أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، محمد محمود مهران، اعتراف بريطانيا وفرنسا بدولة فلسطين بأنه “لحظة تاريخية تعزز الشرعية الدولية للحقوق الفلسطينية”، مشيراً إلى أن “لهذا الاعتراف دلالات قانونية وسياسية تتجاوز الرمزية”.
وقال مهران، في تصريحات لـ”ريا نوفوستي”، إن “بريطانيا التي أصدرت وعد بلفور تتحمل مسؤولية تاريخية، وبالتالي يمثل موقفها الأخير تصحيحاً متأخراً لظلم تاريخي بحق الفلسطينيين. وفرنسا، التي تعتبر أول عضو غربي دائم في مجلس الأمن يتخذ هذه الخطوة، قد تفتح الباب أمام ضغوط متزايدة على إسرائيل للالتزام بقرارات الشرعية الدولية”.
كما أكد أن “هذا التطور يقلل من قدرة الولايات المتحدة على حماية إسرائيل داخل مجلس الأمن، ويعزز فرص فلسطين نحو العضوية الكاملة في الأمم المتحدة”.
وفي وقت سابق اليوم أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا اعترافها رسميا بدولة فلسطين.
وتعهّدت دول عدّة، بينها فرنسا والبرتغال ومالطا وبلجيكا، بالاعتراف بدولة فلسطين خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الحالي.
وقوبل إعلان عدد من الدول الغربية اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين برفض واستنكار من جانب إسرائيل والولايات المتحدة.
جدير بالذكر أن حل الدولتين هو مقترح سياسي يهدف إلى حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إقامة دولتين مستقلتين: دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 إلى جانب دولة إسرائيل، وهو ما يتفق مع رؤية المجتمع الدولي، ولكن العوائق التي تشمل رفض حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الاعتراف بإسرائيل، والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، والانقسامات الفلسطينية، والعنف المستمر المتبادل، بالإضافة إلى الجمود السياسي بين الأطراف، تعوق تحقيق هذا الحل حتى الآن.
وتحظى دولة فلسطين باعتراف 147 دولة من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة، بينما لم تعترف الولايات المتحدة بدولة فلسطين، واستخدمت عام 2024 حق النقض (الفيتو) ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة.
وتؤكد روسيا أن تحقيق سلام حقيقي في الشرق الأوسط مستحيل بدون حل عادل للقضية الفلسطينية قائم على تنفيذ حل الدولتين، وضمان الحقوق والتطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني.