بعنوان “المؤرخ والفيلسوف”، يهتم أحدث كتب المفكر المغربي الطيب بوعزة، الأكاديمي المتخصص في الفلسفة، بمعنى التاريخ، ولِم يؤرّخ الإنسان، وكيفيات كتابة التاريخ ودراسة التواريخ، في كتابات المنطقة ذات الأغلبية المسلمة، وفي المنطقة المسماة أوروبية، مع مساءلته “فائدة التاريخ” ومدى علمية التاريخ، وقراءة الفلاسفة للتاريخ، ومدى إمكانية الحديث عن وجود “فلسفة التاريخ”، مع وقوف عند نظر تقاليد فلسفية عديدة للتاريخ وفهمه.
يقول تقديم “مركز نهوض للدراسات والبحوث” للكتاب الصادر في ما يقرب من ثمانمائة صفحة، إنه إصدار”مرجعي” لـ”أحد أبرز وجوه الدرس الفلسفي المعاصر في عالمنا العربي خلال العقدين الأخيرين”، و”يملأ فراغا ملموسا في المكتبة العربية لم تظفر فيها فلسفة التاريخ بما تستحق من عناية واهتمام”.
ويردف التقديم: “قليلة هي الكتب التي تحمل أطروحة جديدة. ويُعَدُّ هذا الكتاب من هذا النوع النادر. إذ بناءً على مفهوم “الكمال” وثلاثية “الذاتية والبَيْنذاتية والبَيْنية”، أقام المؤلف أساسًا نظريًّا قرأ به النتاج الإسطوغرافي، وفلسفات التاريخ، التي فَرَّعَها على صنافة كانط في ثلاثة تشكيلات هندسية. بدءا من استثمار أفلاطون لـ”كذبة هيزيود”، إلى تحويلها اللاتيني مع أوفيديوس، ومن سجال المسعودي مع سنان بن ثابت إلى “عمران” ابن خلدون، ومن علموية رانكه وسينيوبوس إلى حوليات بروديل وفيفر، ومن سقوط كانط من علو “الترنسدنتال” إلى “لون الجلد”، ومن “مكر المطلق” عند هيجل إلى “ورطة النسق” الماركسي، ومن نقدية مربورغ وهايدلبرغ إلى إشراط فلسفة التاريخ بالمجاز البلاغي مع هايدن وايت”.
ويسجل الكتاب وجود “اختلاف جوهري بين نظرة المؤرخ ونظرة الفيلسوف إلى التاريخ (…) منهج المؤرخ استقصائي مشوب بنزعة تجريبية واضحة، وإن لم تكن من جنس التجريبية التي تمتاز بها العلوم الطبيعية، وأن نصف منهج الفيلسوف في مقاربة حركة التاريخ بأنه منهج عقلي يريد به استنباط العلل الكلية المفسرة للأحداث والوقائع الجزئية، وهو منهج تغلب عليه النزعة الذاتية بالضرورة؛ لاختلاف العلل المستنبطة من فيلسوف إلى آخر”.
ولا يروم المؤلف “تلخيص نظريات فلسفة التاريخ، ولا الوقوف على أطلالها الدائرة اليوم”، بل “إعادة التفكير في ‘متعاليات الذات’ من أجل استمداد معنى للتاريخ، في مقابل نغمة أفول المعنى، ونفي إمكانية تأسيسه بفعل عدمية التفلسف المعاصر، على حد تعبيره”.
وقدّم الطيب بوعزة كتابه بباب حول “دلالة التاريخ والسبب الحافز إلى سرده، وقيمة هذا السرد من حيثية علمية”، ثم باب عنونه بـ”الفيلسوف والتاريخ” يهتم فيه بـ”كيفية إجراء النظر الفلسفي إلى التاريخ، ونوعية الفروض التي أنتجها فيما يخص شكل الزمن التاريخي”، يليه باب خصّص لـ”دراسة نماذج فلسفات التاريخ، بحسب موضعها من تصنيف الزمن التاريخي”، كما اهتم في باب آخر بـ”إمكان فلسفة التاريخ”.