كشف تقرير صادر عن مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي أن الاستقرار الأمني في المغرب أصبح رافعة استراتيجية للتنمية، بعدما ساهم في تحقيق مداخيل واستثمارات تفوق 660 مليار درهم خلال عامي 2023 و2024، مع تفادي خسائر سنوية كانت ستبلغ نحو 90 مليار درهم في حال غياب الأمن.
وأوضح التقرير أن المغرب استقطب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 26.3 مليار درهم سنة 2023 و43.2 مليار درهم سنة 2024، كما حقق مداخيل سياحية قياسية تجاوزت 119 مليار درهم في 2024، فضلا عن صادرات صناعية تخطت عتبة 400 مليار درهم في 2023، ما يعكس دور الأمن في تعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني وتنافسية البلاد إقليميا ودوليا.
وشدد التقرير على أن الاستقرار الأمني وكفاءة المؤسسة الأمنية يعدان من الركائز الأساسية للنموذج التنموي المغربي، مؤكدا أن المقاربة الشمولية التي اعتمدها المغرب في مجال الأمن أسهمت في القضاء على التهديدات وتوفير مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية، ما عزز مكانة المغرب كوجهة آمنة ومنصة لوجستية واستثمارية على مستوى المنطقة المغاربية والقارة الإفريقية.
وأبرز التقرير أهمية الاستقرار الأمني عند مقارنته بدول تعاني من اضطرابات أمنية، وهو ما يؤدي إلى فقدان فرص استثمارية وهجرة الرساميل. في المقابل، جعل المغرب من الأمن جزءا من “العرض المغربي” الموجه للمستثمرين، إلى جانب الحوافز الأخرى، ليصبح عنصرا تسويقيا واقتصاديا يعكس جاذبية البلاد، مؤكدا أن الاستقرار الأمني ساعد المغرب على تعزيز تنافسيته، حيث أصبح هذا الاستقرار يشكل مكونا أساسيا في البيئة الاستثمارية، ما يبرز كيف تحول الأمن إلى عنصر اقتصادي ملموس.
أشار التقرير إلى أن الاستقرار الأمني أسهم في تقليص ما يعرف بـ “منحة المخاطر” أو “Risk Premium”، أي الفارق الذي يطلبه المستثمرون لتعويض المخاطر الأمنية والسياسية. فكل نقطة انخفاض في هذه المخاطر تعني خفض تكلفة التمويل وتوسيع قاعدة المستثمرين المحتملين، ما ساهم في تنويع الاستثمارات الأجنبية التي شملت قطاعات مثل صناعة السيارات والطيران والطاقات المتجددة واللوجستيك، مما عزز مكانة المغرب كمنصة إقليمية للإنتاج والتصدير.
أكد التقرير أن مردودية الأمن تتجلى أيضا في استدامة تدفقات الاستثمارات، إذ تجاوزت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب في فترات متفرقة عتبة 20 مليار درهم سنويا. وتمثل هذه الأرقام مؤشرا واضحا على أن الأمن يشكل ركيزة للنمو الاقتصادي، إذ يوفر بيئة مستقرة قائمة على التوقع، وهي شروط أساسية لأي قرار استثماري بعيد المدى. وبذلك، تحول الأمن من “تكلفة” في الميزانية العامة إلى “أصل اقتصادي” يولد قيمة مضافة.
توقف التقرير عند الأثر الإيجابي للاستقرار الأمني على قطاع السياحة، حيث استطاع المغرب أن يعزز مكانته كوجهة سياحية مفضلة، خاصة مع تراجع بعض الوجهات المنافسة في المنطقة. وقد ترجمت هذه الوضعية إلى نتائج ملموسة، إذ استقبل المغرب حوالي 17.4 مليون سائح سنة 2024، مسجلا مداخيل قياسية تجاوزت 119 مليار درهم، ما جعله من أبرز مصادر العملة الصعبة.
أفاد التقرير بأن الأمن يمثل عاملا حاسما في مؤشرات الأداء اللوجستي والاستثمار الصناعي. فقد تم تصنيف المغرب ضمن أفضل 25 دولة في مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي سنة 2023، وهو ما يعكس تحسن البنيات التحتية وتطور الممارسات اللوجستية في سياق من الاستقرار.
أما على مستوى الاستثمار الصناعي، فقد ساعد الأمن في جذب شركات كبرى مثل “رونو” و”ستيلانتيس”، حيث وفر المغرب بيئة آمنة تضمن استمرارية سلاسل التوريد. وتجاوزت قيمة الصادرات الصناعية عتبة 400 مليار درهم سنة 2023، ما يبرز الأثر المباشر للأمن على مردودية الاستثمار واللوجستيك.
ولفت التقرير إلى أن السياسات الأمنية في المغرب ساهمت في تقليص التكاليف المرتبطة بالجريمة والأنشطة غير القانونية، والتي تعد خسارة صافية للاقتصاد. ومن خلال تبني سياسات أمنية استباقية كتفكيك الخلايا الإرهابية ومحاربة الجريمة المنظمة، استطاع المغرب خلق بيئة آمنة تحفز الاستثمار.
وأشار التقرير إلى أن غياب الأمن يكلف بعض الاقتصادات ما بين 2% و5% من الناتج الداخلي الخام سنويا، بينما استطاع المغرب، بفضل استقراره، تفادي خسائر تتراوح ما بين 60 و90 مليار درهم سنويا، كانت ستسجل في حالة انتشار واسع للجريمة أو التهريب.
شدد التقرير على أن الأمن في المغرب لم يعد مجرد عنصر اجتماعي أو سياسي، بل تحول إلى أصل اقتصادي يولد قيمة مضافة. فبفضل التحكم في مستويات الجريمة، تقلصت الكلفة الاقتصادية للجريمة، مما ساهم في تعزيز المداخيل الضريبية وتوسيع هامش الاستثمار العمومي والخاص.
أشار التقرير إلى أن الأمن يسهم بشكل مباشر في تقليص تكلفة الفرصة الضائعة الناتجة عن الاضطرابات، من خلال ضمان انتظام الخدمات العمومية ورفع مستوى الإنتاجية. كما يساهم في الحفاظ على الكفاءات المحلية وجذب خبرات أجنبية، بما ينعكس إيجابا على الابتكار وتنافسية المقاولات.
وسجل التقرير تقدم المغرب بست مراتب في مؤشر السلام العالمي لسنة 2024، ليصل إلى المرتبة 78 عالميا، مع تقليص العبء الاقتصادي للعنف إلى نحو 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعكس كفاءة المؤسسة الأمنية في توفير بيئة مستقرة داعمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ودعا التقرير إلى إحداث مؤشر وطني شامل لقياس أثر الأمن على التنمية، يتضمن معايير مثل معدلات الجريمة ومستوى ثقة المستثمرين، مع تعزيز التعاون بين المؤسسة الأمنية والقطاع الخاص لإطلاق مبادرات مشتركة تربط بين الأمن والتنمية عبر منصات للحوار وتبادل الخبرات. كما أوصى بدمج البعد الأمني ضمن الاستراتيجيات التنموية الوطنية، مع وضع مؤشرات خاصة لقياس أثره على الابتكار وريادة الأعمال والاستقرار الاقتصادي.
واقترح التقرير إصدار تقارير دورية تبرز دور الأمن في دعم التنمية المستدامة، مع نشر بيانات تعزز الثقة في البيئة الاستثمارية، وإرساء إطار تحليلي لتقييم الخسائر الاقتصادية المحتملة في حالات الاضطراب، بما يوضح القيمة المضافة للأمن من خلال مقارنة سيناريوهات الاستقرار واللااستقرار.