في سنة عيشه السابعة بعد الثمانين، رحل عن دنيا الناس الطيار الحربي صالح حشاد، الذي كان أحد أبرز المعتقلين في سجن تازمامارت سيء الذكر، بعد محاولة الانقلاب الثانية على الملك الحسن الثاني سنة 1972. وقضى حشاد في تازمامارت ثماني عشرة سنة، وضم كتابٌ شهادته وزوجته على العصر، كما أوصل صوته في شهادة مطولة متلفزة، كاشفا تفاصيل فشل المحاولة الانقلابية، ثم الاعتقال في سجن تازمامارت الرهيب.
صالح حشاد، الذي يوارى جثمانه الثرى اليوم الأحد بعد صلاة العصر بمدينة القنيطرة، درس في المدرسة العسكرية بمراكش، وقاد طائرة سوفييتية، قبل التدرّب في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان الأول على دفعته، ودرس في الستينيات بالبلد نفسه، ليتدرج بعد ذلك في المسؤوليات بالمغرب، ويصير رئيسا للعمليات في القاعدة الجوية العسكرية للقنيطرة، قبل أن يجد نفسه على رأس سرب يهاجم الطائرة الملكية، دون علمه.
في هذا السياق، وضح عبد الله أعكاو، المعتقل السابق بتازمامارت، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الراحل حشاد كان محكوما بالإعدام، لكن بعدما ثبت أنه لم يكن له علم بالقصف وهدفه، غيّرت محكوميته إلى 20 سنة.
ثم عاد إلى الستينيات: “لما كان شابا كان معي في القاعدة الجوية، وكان رئيس المصالح العملياتية، وكان مشرفا على المهام ويتكلف بالطائرة وأهدافها بالجو، ويلتقي الطيارين في الصباح ويتحدثون عن المهمة وكم ستحتاج من طائرة، وهو من يعد تنظيم مهمة في اليوم بأكمله.”
وتابع: “هو من أول الطيارين الحربيين، عندما كانت القاعدة العسكرية في بنسليمان، وساهم في أحداث الريف، ولو أنه يتهم بقصف الريف، إلا أنه لم يقم بذلك لأنه كان في مهمة موازية، وكان في الطائرة مع الجنرال ادريس بنعمر. وبعد ذلك وجدته في قاعدة القنيطرة، وفي يوم 16 غشت 1972 صعد إلى الطائرة، ولو كان رئيس فوج ست طائرات في القصف، إلا أنهم لم يخبروه بأن هناك طائرات ستكون مسلحة بالذخيرة الحية، ولم يكن في علمه هدف الطائرات وهو الطائرة الملكية”.
وتذكّر أعكاو الدور الكبير لحشاد في إيصال صوت المعتقلين في تازمامارت، عبر زوجته عايدة، التي طلب منها تسريب المقويات، لا الأدوية، لأنه لم يكن من الممكن استهلاكها من طرف المعتقلين نظرا لضعف تغذيتهم، ثم بعد ذلك إيصال صوتهم إلى العالم، بالتنسيق مع الزوجة الأمريكية للمعتقل في تازمامارت مبارك الطويل.
وذكّر أعكاو بـ”خذلان” الأحزاب السياسية بالبلاد معتقلي تازمامارت، حيث رفضت طلبات استقبال زوجة حشاد عايدة، وهو “ما جمع المعارضة والأحزاب التي كانت في الحكومة”.
ومن الوسائل التي أوصلت بها زوجة الراحل رسالة المعتقلين، وفق أعكاو، لقاء ابنتها مع الملك الحسن الثاني، ليجيب بجوابه الشهير: “هل هؤلاء لا يزالون أحياء؟”.