آخر الأخبار

العزوف الانتخابي.. شبح يتربص باستحقاقات 2026 وسط تعاظم أزمة الثقة - العمق المغربي

شارك

كلما اقترب موعد الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة في شتنبر من سنة 2026، تبرز مسألة العزوف الانتخابي، الذي طالما شكل هاجسا للدولة والأحزاب معا؛ فإذا كانت الدولة ترى في نسبة التصويت اختبارا لجدوى الاستحقاقات الانتخابية، فإن عددا من الأحزاب تراهن على الإقبال الكثيف على صناديق الاقتراع لسد المنافذ التي يتسلل منها من تعتبرهم “متاجرين في الأصوات”.

ونبهت العديد من الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني إلى استفحال ظاهرة العزوف عن التصويت، واعتبرته واحدا من تجليات فقدان الثقة، أو تراجعها، في المؤسسات المنتخبة، نتيجة جملة من العوامل؛ منها ما هو مرتبط بتدبير وزارة الداخلية، ومنها ما يرتبط بكفاءة ونزاهة عدد من المنتخبين، ومنها أيضا ما يرتبط بالسلطة الفعلية للمؤسسات المنتخبة وأثرها على المعيش اليومي للمواطن.

وبلغت نسبة المشاركة في أول انتخابات تشريعية جرت في ظل الدستور الحالي، 45 في المائة، وهي الانتخابات التي جاءت في سياق احتجاجات 20 فبراير 2011، في حين انخفضت هذه النسبة إلى 42.29 في المائة في انتخابات 2016، التي أفرزت حكومة العدالة والتنمية آنذاك، أما نسبة المشاركة في انتخابات 2021، التي تمخضت عنها حكومة عزيز أخنوش، فقد بلغت 50.86 في المائة.

أزمة ثقة

في هذا السياق، قال الخبير في القانون الدستوري رشيد لزرق، إن جزءا من المواطنين يعتبر أن الانتخابات لن تغير واقعهم المعيشي، لذلك يتخذون “اللامبالاة” خيارا، وجزء آخر يرى أن المؤسسات المنتخبة لا تملك سلطة فعلية، أو أن الأحزاب لا تمثل مصالحه، وهو ما يعكس أزمة ثقة في العملية السياسية ككل.

أزمة الثقة هاته، بحسب ما أوضح رشيد لزرق في تصريح لجريدة “العمق”، تكون أعمق عندما يُنظر إلى الحكومة باعتبارها غير قادرة على التأثير في القرارات الكبرى، وهو ما يضعف الحافز للتصويت لدى الفئة الناخبة، ويعزز الشعور بأن صناديق الاقتراع لا تغير كثيرا في واقع المواطنين.

وكان المعهد المغربي لتحليل السياسات، قد رصد انخفاضا عاما لثقة المغاربة في الأداء الحكومي، حيث انتقل مؤشر الثقة في الحكومة من 69% سنة 2022 إلى 43% سنة 2023، بحسب ما ورد في تقرير سابق للمعهد.

وأكد المعهد أن المؤسسات المنتخبة سجلت ضعفا لثقة المغاربة حسب استطلاعات الرأي، ففي حالة الأحزاب السياسية، عبر حوالي 77% من المغاربة أنهم لا يثقون في جميع الأحزاب، فيما قال حوالي 68% إنهم لا يثقون في المؤسسة التشريعية.

لكن في المقابل، هناك من يرى بأن وزارة الداخلية ساهمت بدورها في تقويض هذه الثقة، وذلك بطريقة تدبيرها للعملية الانتخابية، حيث برز مطلب إحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات بدل وزارة الداخلية، وهو المقترح الذي ورد في مذكرة الحزب الاشتراكي الموحد بشأن تعديل المنظومة الانتخابية.

في السياق ذاته، انتقد عبد السلام العزيز، الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، استمرار وزارة الداخلية في التحكم الدقيق في كل تفاصيل المنظومة الانتخابية منذ عقود، معتبرا أن هذا التحكم يقوض مبدأ الاستقلالية ويحد من ثقة المواطنين في العملية الانتخابية برمتها.

تحد مركب

وسواء كان العزوف عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع فعلا واعيا يرمي إلى التعبير عن موقف سياسي، أم مجرد عزوف غير مؤسس على قناعة واضحة، فإنه سلوك متعدد الجوانب يمكن تفسيره تفسيرا واحدا، بحسب رشيد لزرق، لأنه يتداخل فيه عنصران أساسيان: اللامبالاة من جهة، وأزمة الثقة من جهة أخرى. وهذا ما يجعله تحديا مركبا أمام الدولة والأحزاب مع كل محطة انتخابية.

وتابع المتحدث أن حجم المشاركة الانتخابية في الانتخابات التشريعية لسنة 2026، سيكون معيارا حاسما لقياس مدى شرعية الانتخابات المقبلة، مضيفا أنه إذا تم تسجيل نسبة عزوف مرتفعة فقد تُفسر بأنها رسالة احتجاجية صامتة من المواطنين ضد النخب السياسية.

فالدولة والأحزاب معا يجدان أنفسهما في معضلة، يقول لزرق، الدولة تحتاج إلى شرعية الصندوق، بينما الأحزاب تحتاج قاعدة اجتماعية لتبرير تمثيليتها، فـ”أي انخفاض جديد في المشاركة يربك الحسابات السياسية، ويضعف قدرة البرامج الحزبية على الإقناع”، بحسب تعبيره.

وأصبح العزوف الانتخابي، يقول الباحث في الدراسات السياسية والدولية حفيظ الزهري في تصريح لـ”العمق”، معضلة أمام الممارسة الديمقراطية في المغرب، وليس فقط أمام الأحزاب السياسية، وهو ما اتضح بشكل جلي في مذكرات الأحزاب السياسية وحوارها مع الداخلية حيث تم التركيز بشكل كبير على الكيفية الممكن أن يعاد بها المواطن لممارسة حقه الانتخابي.

وأشار إلى أن المقترحات توزعت بين الإجبارية واعتماد بطاقة التعريف فقط للتصويت، مستدركا بأن “الإشكالية أصبحت أعمق مما يمكن أن نتصورها، حيث تحتاج إلى عملية تشريحية لتحديد المسببات الحقيقية وراء هذه الإشكالية، إذ على الفاعل السياسي سواء الحزبي أو المؤسساتي أن يتحمل كامل مسؤولياته في مجال التأطير والتكوين، وتقديم وجوه وكفاءات شابة لإعادة الثقة للمواطن في المؤسسات والممارسة الحزبية تعزيزا للديمقراطية”.

عوامل متعددة

وتظل عوامل العزوف الانتخابي وفقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة متعددة ومتداخلة، من ضمنها تراجع الثقة في الأحزاب السياسية، وذلك بسبب وعود انتخابية لم تجد طريقها إلى التحقيق، بحسب لزرق، بالإضافة إلى تراجع صورة المنتخب المحلي الذي “غالبا ما يُتهم بعدم الكفاءة أو بالفساد”.

جدير بالذكر أن المنتخبين الذين أفرزتهم انتخابات سنة 2016، 74.59 في المائة منهم لهم مستوى دراسي عال، في حين أن 19.49 في المائة لهم مستوى تعليمي ثانوي. أما المنتخبون الذين أفرزتهم استحقاقات 2021، فإن 66.33 في المائة مستواهم التعليمي عال، بينما 27.59 في المائة ثانوي، و5.32 في المائة ابتدائي.

ونبه لزرق أيضا إلى تأثير “هيمنة المال والاعتبارات القبلية والمحلية في بعض الدوائر، ما يخلق انطباعا بأن الصوت الفردي لا قيمة له”، بالإضافة إلى ضعف التربية المدنية والثقافة السياسية في المدرسة والجامعة، بحسب تعبيره.

وفي هذا السياق أشار تقرير للمعهد المغربي لتحليل السياسات، إلى أن الفساد يُنظر إليه على أنه وجه من أوجه الحكامة السيئة، ومن شأنه أن يشوه عمليات صنع القرار، كما أنه يقوض سيادة القانون ويضعف المؤسسات الديمقراطية، ويُبخس العقد الاجتماعي بين المواطنين والحكومة.

إضافة إلى ذلك، يضيف المصدر ذاته، ينظر إلى الفساد “أنه قد يستنزف الموارد ويخلق انطباعا بالظلم واللامساواة، حيث يُستغل لتحقيق مكاسب شخصية بدل من تخصيصها للصالح العام، ومن شأن هذا أن يؤدي إلى إضعاف قدرة المؤسسات على خدمة مصالح المواطنين، ويغذي شعور الظلم وفقدان الثقة”.

وربط الزهري بين العزوف عن التصويت والعزوف عن ممارسة السياسة، خاصة لدى فئة الشباب، ونبه إلى “تكرار نفس الوجوه السياسية في المشهد السياسي، وطغيان القرابة العائلية حيث أصبحنا أمام مقاولات حزبية عائلية تعتمد مبدأ التوريث عوض مبدأ الكفاءة والنضال الحزبي، وهو ما جعل المواطن يهجر الأحزاب السياسية ويتجه نحو التنسيقيات كبدائل مؤقتة للممارسة الحزبية”.

وتابع أن للجانب القانوني دورا كبيرا في هذه الظاهرة، داعيا إلى إعادة النظر في قانون الأحزاب، وكذا القوانين الداخلية لبعض الأحزاب التي تزكي منطق “الزعيم الخالد”، وهو أمر “أصبح مرفوضا من قبل الشباب الذي أصبح يحمل وعيا سياسيا رافضا للممارسات غير الديمقراطية التي تشهدها بعض الأحزاب”.

نتاج خلل

ويرى الزهري بأن العزوف عن الممارسة الانتخابية ظاهرة سياسية يمكن اعتبارها نتاج خلل في عدم قدرة الفاعل السياسي بشكل عام على تأطير المواطن المغربي، وغياب الديمقراطية الداخلية وتداول النخب داخل المؤسسات الحزبية، حيث يتكرر نفس المشهد السياسي لسنوات بنفس الوجوه ونفس القيادات، مع تشابه في البرامج الانتخابية وعدم القدرة على التمييز ما بين المحافظ والتقدمي واليساري واليميني.

كما أن تضرر المواطن المغربي من السياسات العمومية للحكومات السابقة والحالية، وتنامي الشعبوية خاصة في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، جعل المواطن المغربي، خاصة الشباب الذي يشكل أكبر قاعدة انتخابية، يفقد الثقة في المؤسسات الوسائطية بشكل عام والمؤسسات الحزبية بشكل خاص، يضيف المتحدث.

هذا الأمر، بحسب الزهري، أثر بشكل كبير على العملية الانتخابية التي بدأت تعرف تراجعا مهولا في نسب المشاركة، حيث يمكن اعتبار العزوف عن الممارسة الانتخابية بمثابة موقف سياسي من فئة عريضة من الشعب المغربي ضد الأحزاب السياسية بعد اتساع الهوة بين الطرفين، مما قد يؤثر في نتائج الانتخابات المقبلة.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا