يُسلط اليوم الدولي للتعاون بين أجهزة الشرطة، الذي يُحتفل به في السابع من شتنبر من كل سنة، الضوء على الدور الحيوي للمؤسسة الأمنية المغربية في تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الجرائم العابرة للحدود، إذ تعمل المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني على تبادل المعلومات الاستخباراتية مع “الإنتربول” و”اليوروبول”، إضافة إلى التنسيق مع المؤسسات الأمنية للدول الشريكة، بما يساهم في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة بفعالية أكبر.
وقد أثبت التعاون مع المؤسسات الأمنية المغربية فعاليته في الوقاية من التهديدات، خاصة الإرهابية منها؛ فقد ساهمت المعطيات الاستخباراتية التي وفرتها هذه المؤسسات لصالح مؤسسات إنفاذ القانون في العديد من الدول الصديقة للرباط في تجنيب هذه الدول حمامات دم حقيقية. ويلقى الأداء الأمني المغربي على هذا المستوى إشادات دولية واسعة جعلت دولا أخرى تتجه نحو تعزيز شراكاتها مع المغرب، وتوقيع اتفاقيات أمنية بهدف تقوية التعاون الاستخباراتي والاستفادة من الخبرة المغربية في هذا المجال.
وأكد مهتمون بالشؤون الاستراتيجية والأمنية أن الثقة المتزايدة التي توليها الدول الأخرى للمغرب كشريك أمني موثوق جعلت من المملكة فاعلا أساسيا في معادلات الأمن الإقليمي والدولي، وفي صون السلام العالمي عبر الانخراط الفعال في المبادرات والتعاون المشترك لمكافحة الجريمة بشتى أشكالها، مبرزين في الوقت ذاته أن المشاركة الفاعلة للمؤسسة الأمنية المغربية على هذا المستوى تعكس قدرة المغرب على توظيف الأمن كرافعة دبلوماسية لتعزيز تأثيره على الساحة الدولية وبناء تحالفات قوية تدعم مصالحه وقضاياه الوطنية.
هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، قال إن “المؤسسة الأمنية المغربية أصبحت، خلال العقدين الأخيرين، أحد الفاعلين الأكثر موثوقية في تبادل المعلومات الاستخباراتية والشرطية، خصوصا في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة”.
وأضاف معتضد، في تصريح لهسبريس، أن “انخراط المغرب في شبكات مثل الإنتربول واليوروبول مكنه من بناء جسور عملية مع شركائه الأوروبيين والأفارقة، عبر تقديم بيانات دقيقة حول تحركات الجماعات الإرهابية وتفكيك شبكات تجنيد وتمويل تتجاوز الحدود الوطنية”.
وأوضح المصرح عينه أن “هذا التبادل لا يقتصر فقط على تبليغ معلومات خام؛ بل يتجاوز ذلك إلى تطوير آليات عمل مشتركة مثل فرق تحقيق مختلطة، وتدريبات متبادلة في تقنيات الرصد الرقمي وتحليل البيانات”، لافتا إلى أن “هذه الممارسات عززت صورة المغرب كشريك استباقي يساهم في تقليل المخاطر قبل أن تتحول إلى تهديدات ملموسة”. كما أن المؤسسة الأمنية المغربية اكتسبت سمعة في سرعة الاستجابة وفعالية التنسيق، خصوصا بعد نجاحها في كشف خلايا كانت تستهدف مدنا أوروبية”.
وشدد الباحث في الشؤون الاستراتيجية على أن “هذا النوع من المبادرات عزز الثقة المتبادلة، ورسخ مكانة المغرب كمنصة محورية تربط بين التجربة الأمنية الإفريقية والاحتياجات الأمنية الأوروبية”.
واعتبر معتضد أن “التعاون الأمني الدولي أصبح رافعة دبلوماسية غير تقليدية للمغرب، إذ مكنه من لعب دور ‘جسر أمني’ بين ضفتي المتوسط. وقد عززت هذه الدينامية الدور الوسيط للمغرب، الذي لا يقتصر على الجغرافيا؛ بل يمتد إلى إنتاج حلول عملية قائمة على التجربة الميدانية.. وبالتالي فإن المغرب لا يقدم نفسه كطرف ناقل للمعلومات فحسب؛ بل كفاعل مبادر يسعى إلى صياغة مقاربات أمنية جماعية تتكيف مع التهديدات المتغيرة مثل الإرهاب العابر للحدود والهجرة غير النظامية”.
وأبرز المختص في الشؤون الاستراتيجية أن “التعاون الأمني بالنسبة للمغرب يتجاوز البُعد التقني ليصبح أداة دبلوماسية متقدمة تخدم أجنداته الوطنية. فعبر نسج شراكات أمنية فعالة، يخلق المغرب مناخا من الاعتمادية المتبادلة مع شركائه؛ ما يترجم غالبا إلى مواقف داعمة لقضاياه الحيوية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية”.
وأضاف: “عندما يُنظر إلى المغرب كشريك أمني أساسي يساهم في حماية الفضاء الأوروبي من الإرهاب، أو في استقرار الفضاء الإفريقي من تهديدات الجريمة المنظمة، يصبح من الصعب على القوى الدولية تجاهل مطالبه أو التقليل من شرعية مواقفه. بمعنى آخر، الأمن يفتح قنوات دبلوماسية موازية تدعم خطاب الرباط السياسي”.
وحول الأولويات الأمنية للمغرب في السنوات المقبلة على صعيد التعاون الدولي، ذكر الباحث ذاته أن “الأولوية الأولى تتمثل في تعزيز قدرات الاستجابة المشتركة للتهديدات في منطقة الساحل والصحراء، حيث يشكل التمدد الإرهابي والجريمة المنظمة تحديا مزدوجا للأمن والتنمية. أما الثانية فتتركز على الأمن السيبراني، باعتباره جبهة جديدة في الصراعات المعاصرة، حيث تدرك الرباط أن محاربة التطرف الرقمي والهجمات الإلكترونية ضد البنيات التحتية يتطلب تعاونا عابرا للقارات، وأن شراكاتها مع أوروبا وأمريكا الشمالية ستكون حاسمة في هذا المجال”.
وخلص إلى أن “المغرب يولي أهمية كبرى للربط بين الأمن والهجرة”، لافتا إلى أن “معالجة الهجرة غير النظامية لن تتحقق بالحلول الأمنية وحدها؛ بل عبر مقاربة شاملة تدمج التنمية المحلية في دول المصدر والحد من شبكات الاتجار بالبشر. من هنا، سيظل المغرب يطرح نفسه كفاعل مسؤول يسعى إلى حلول متوازنة تعكس مصالح إفريقيا وأوروبا على حد سواء”.
من جهته، قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، إن “المغرب يعد شريكا رئيسيا في منظومة الأمن الدولية؛ من خلال كل من المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني اللتين تعملان بفاعلية مع منظمات دولية وأجهزة شرطة العديد من الدول، مما يمكن المغرب من تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل فوري وفعال لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب. كما يتيح هذا التعاون الوصول إلى قواعد بيانات الإنتربول واستخدام النشرات الدولية لتتبع المطلوبين دوليا”.
وأضاف شادي عبد السلام، في تصريح لهسبريس، أن “المغرب يُعد نموذجا في مكافحة الإرهاب، حيث يقدم خبرته في تفكيك الخلايا الإرهابية وتتبع تمويل الإرهاب. ويشمل التعاون أيضا مكافحة الجريمة المنظمة، مثل تهريب المخدرات والاتجار بالبشر والجرائم الإلكترونية”.
وأبرز الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر أن “هذا التعاون لا يقتصر على تبادل المعلومات فحسب؛ بل يمتد إلى تنظيم عمليات أمنية منسقة ودورات تدريبية مشتركة، مما يؤكد على دور المغرب كفاعل رئيسي في تحقيق الأمن الإقليمي والدولي”.
وزاد المصرح عينه: “بفضل هذا النهج، أصبح المغرب شريكا موثوقا به في مواجهة التهديدات غير التقليدية والعابرة للحدود. وقد أثمرت مساهماته الملموسة في تبادل المعلومات عن نتائج إيجابية، مما أكسبه تقديرا دوليا واسعا. ويعكس اختيار المغرب لاستضافة فعاليات أمنية عالمية؛ مثل الجمعية العامة للإنتربول في مراكش عام 2025، مكانته كمركز استراتيجي للخبرة الأمنية في المنطقة، وشريكا أساسيا في تعزيز الأمن الجماعي”.
وأشار شادي عبد السلام إلى أن “التعاون الأمني الدولي عزز مكانة المغرب كفاعل إقليمي محوري بين إفريقيا وأوروبا، حيث أثبت المغرب نفسه كشريك موثوق للاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة غير الشرعية من خلال التعاون الثنائي مع الدول الأوروبية، إذ ساهم بفعالية في تفكيك شبكات تهريب البشر. كما أن خبرته المتقدمة في مكافحة الإرهاب وتنسيق الاستخبارات قد مكنته من حماية القارة الأوروبية من التهديدات القادمة من منطقة الساحل والصحراء، مما رسخ دوره كحصن أمني رئيسي في المنطقة”.
وعلى المستوى الإفريقي، سجل الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر أن “المغرب يتبنى نهجا استباقيا لتعزيز الأمن الإقليمي من خلال بناء القدرات والتعاون متعدد الأطراف؛ فالمملكة تشارك خبراتها في تفكيك الخلايا الإرهابية ومكافحة الجريمة المنظمة مع شركائها الأفارقة، مما يساهم في تحقيق الاستقرار في القارة”، لافتا إلى أن “هذا التنسيق المستمر والجهود المشتركة لا تقتصر على تبادل المعلومات فحسب؛ بل تمتد إلى عمليات مشتركة ودورات تدريبية ولقاءات أكاديمية، مما يؤكد على أن المغرب ليس مجرد نقطة عبور، بل هو حلقة وصل استراتيجية ومركز أمني إقليمي محوري يساهم في استقرار المنطقة والعالم”.
وأبرز المتحدث نفسه أن “التعاون الأمني الدولي أداة دبلوماسية قوية وفعالة، تشكل وجها مكملا للدبلوماسية السياسية والاقتصادية للمغرب. فالمملكة، من خلال جهودها الأمنية، قد أثبتت نفسها كشريك لا غنى عنه في مكافحة التهديدات العالمية؛ ما أدى إلى كسب ثقة الدول الكبرى”.
وأضاف أن “هذه الثقة تُترجم بشكل مباشر إلى دعم سياسي ومواقف إيجابية تجاه القضايا الوطنية؛ وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، حيث أصبح الأمن نقطة جذب للمصالح المشتركة مع الشركاء الدوليين”.
وخلص البراق شادي عبد السلام إلى أن “المغرب، وفي إطار تعزيز نفوذه الإقليمي، يتبنى مقاربة شاملة تُعد فيها الأبعاد التنموية والاقتصادية جزءا لا يتجزأ من استراتيجيته الأمنية. وتتجلى هذه المقاربة في المبادرات الهيكلية الإقليمية التي يبادر بها المغرب، كالمبادرة الملكية لتعزيز ولوج دول الساحل إلى الواجهة الأطلسية، والتي تهدف إلى توفير فرص اقتصادية تساهم في بناء القدرات وتحقيق الاستقرار الإقليمي عبر معالجة جذور انعدام الاستقرار”، مؤكدا أن “هذه المقاربة الشاملة تؤكد أن التعاون الأمني ليس مسألة فنية وتقنية فحسب؛ بل أيضا أداة أساسية للشراكة الاستراتيجية ودعم دبلوماسية المملكة وتحقيق أهدافها على الصعيدين الإقليمي والعالمي”.