آخر الأخبار

الإعفاء الضريبي للسيارات الهجينة والكهربائية بالمغرب.. امتياز بيئي مبرر أم خدمة لمصالح الشركات؟ - العمق المغربي

شارك

يشهد سوق السيارات الهجينة والكهربائية في المغرب نقاشا محتدما حول مدى جدوى التحفيزات الضريبية التي حظيت بها هذه المركبات في السنوات الأخيرة، خصوصا السيارات الهجينة العادية (HEV) التي لا تُشحن بالكهرباء، بل تجمع بين محرك بنزين ومحرك كهربائي صغير.

وبينما تُسوَّق هذه المركبات كحل بيئي واقتصادي في مواجهة ارتفاع أسعار الوقود وتلوث الهواء، يكشف خبراء الطاقة والبيئة والمالية العامة أن الصورة ليست بالوردية كما تُقدَّم، وأن هذه السيارات قد تمثل حلا انتقاليا محدود الأثر، إن لم تكن مجرد “وهم بيئي واقتصادي” على حد تعبير بعضهم.

وهم بيئي واقتصادي

مصطفى بنرامل، الخبير البيئي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ بالقنيطرة، يرى أن السيارات الهجينة العادية غالبا ما تُقدَّم للمستهلك والحكومات على أنها نموذج المستقبل، لكنها عند التمحيص لا تحقق الأهداف البيئية ولا الاقتصادية المرجوة.

ويقول بنرامل في تصريح لجريدة “العمق” إن “جزءً كبيرا من الصورة المسوقة عن HEV ليس سوى وهما بيئيا واقتصاديا”، مبرزا أن السيارات الهجينة أغلى عادة بنسبة 20 إلى 30 بالمئة من نظيراتها بمحركات البنزين التقليدية، ما يعني أن المستهلك يدفع سعرا مرتفعا مقدما على أمل استرداده عبر التوفير في استهلاك الوقود.

غير أن هذا الأمل، يضيف الخبير المغربي، يصطدم بأرقام صعبة، حيث إن معدل التوفير في الوقود داخل المدن لا يتعدى 2.5 لتر لكل 100 كيلومتر (4.5 لتر في HEV مقابل 7 لترات في سيارة بنزين عادية)، بينما يختفي هذا الفرق تقريبا على الطرق السريعة التي يشتغل فيها محرك البنزين أغلب الوقت.

ويضيف بنرامل أن “العائد المالي ضعيف جدا، لأن فرق السعر قد يتطلب 6 إلى 10 سنوات من القيادة اليومية لتعويضه من اقتصاد الوقود، دون احتساب تكاليف الصيانة المستقبلية، خصوصا عند استبدال البطارية التي قد تكلف بين 2000 و4000 دولار، وإن كانت عادة لا تتعطل قبل 8 إلى 10 سنوات”.

انبعاثات مخفية وصورة خضراء مضللة

بيئيا، يوضح بنرامل أن سيارات HEV لا يمكن اعتبارها صديقة للبيئة بالكامل لأنها ما تزال مرتبطة بالبنزين، وتصدر بين 90 و110 غراما من ثاني أوكسيد الكربون لكل كيلومتر، أي أقل بنحو 30 إلى 40 بالمئة فقط من سيارات البنزين التقليدية.

ويضيف بنرامل أن هذه الأرقام لا تحتسب “التلوث الخفي” الناجم عن استخراج معادن نادرة مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت لصناعة البطاريات، وهي عمليات غالبا ما تتم في ظروف بيئية واجتماعية ملوثة وصعبة.

ويذهب بنرامل أبعد من ذلك حين يتهم بعض شركات السيارات بممارسة “دعاية خضراء مضللة” لتلميع صورتها البيئية دون التخلي عن نموذج الوقود الأحفوري، مستعملة السيارات الهجينة كجسر يطيل عمر الاعتماد على النفط بدلا من تسريع الانتقال نحو السيارات الكهربائية بالكامل أو نحو سياسات النقل الجماعي الأكثر استدامة.

مع ذلك، يعترف بنرامل بأن HEV تحقق فائدة محلية محدودة في المدن الكبرى المزدحمة حيث تعمل بالمحرك الكهربائي في السرعات المنخفضة، مما يقلل التلوث الهوائي والضوضاء في الشوارع المكتظة. لكنه يشدد على أن هذه الفائدة لا تجعلها حلا بيئيا شاملا، إذ تظل مجرد مرحلة انتقالية قصيرة الأمد، خصوصا أن الطاقة الكهربائية التي تعتمد عليها السيارة تأتي بالكامل من البنزين نفسه عبر الكبح التجديدي، وليست طاقة نظيفة أو متجددة.

ويقدم بنرامل حسابات دقيقة لتوضيح الصورة: “سيارة هجينة متوسطة مثل تويوتا كورولا هايبريد تستهلك حوالي 4.5 لتر بنزين لكل 100 كيلومتر، وكل لتر بنزين يطلق عند احتراقه نحو 2.31 كيلوغرام من ثاني أوكسيد الكربون، ما يعني 10.4 كيلوغرام لكل 100 كيلومتر، أي 104 غرامات لكل كيلومتر، مقارنة بـ162 غراما لسيارة بنزين عادية. هذا يعني أن HEV تخفض الانبعاثات بنسبة 35 إلى 40 بالمئة فقط”.

نقل التلوث بدل الحد منه

لكن النقاش لا يتوقف عند السيارات الهجينة وحدها. فالخبير في الطاقة أمين بنونة يؤكد أن السيارات الكهربائية بالكامل في المغرب تواجه مفارقة أكبر، إذ إن شحن بطارياتها من الشبكة الوطنية الحالية يجعلها أحيانا أكثر تلويثا للمناخ من سيارات الديزل الحديثة.

ويقول بنونة إن معدل الانبعاثات في المغرب بلغ سنة 2020 نحو 721 غراما من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون لكل كيلواط ساعي من الكهرباء المنتجة، وعند احتساب كامل سلسلة التحويل إلى طاقة ميكانيكية على عجلات السيارة، يصل الرقم إلى 1224 غراما، مقارنة بـ917 غراما فقط لمحركات الديزل الحديثة، في حين لا يتجاوز 159 غراما في إسبانيا و89 غراما في فرنسا.

ويعزو بنونة هذا الوضع إلى اعتماد المغرب الكبير على الفحم (71 بالمئة) والغاز لإنتاج الكهرباء، حيث لم تتجاوز نسبة الطاقات المتجددة 38 بالمئة من الإنتاج منذ عام 1979. ويؤكد أن الأهداف المسطرة في الإستراتيجية الطاقية لسنة 2020 لم تتحقق، وأن احتساب محطات التخزين بالضخ ضمن الطاقات المتجددة ساهم في تضخيم الأرقام الرسمية دون أن يعكس الواقع الفعلي للإنتاج.

ويرى بنونة أن السيارات الكهربائية في المغرب لا تلغي التلوث بل تنقله من المدن إلى مناطق إنتاج الكهرباء، مشددا على أن انبعاثات الكهرباء المغربية نفسها تفوق حتى ما تنتجه بولندا، التي تعد الأكثر تلويثا في أوروبا، بمعدل 670 غراما، في حين يبلغ المتوسط العالمي 470 غراما.

ويحذر الخبير من أن استمرار الوضع سيكلف المغرب ثمنا باهظا مع دخول قواعد تجارية دولية جديدة تأخذ بعين الاعتبار البصمة الكربونية للمنتجات والخدمات، داعيا إلى تسريع خطط استبدال الفحم بالغاز بحلول 2044، وتفعيل مشاريع الهيدروجين الأخضر، وتطوير الطاقات المتجددة وحلول التخزين وتحسين مردودية الشبكات، إضافة إلى تشجيع الإنتاج الذاتي للطاقة الشمسية.

جدوى التحفيزات الضريبية

أما في الجانب الضريبي، فينتقد الدكتور جواد لعسري، أستاذ المالية العامة والتشريع الضريبي بجامعة الحسن الثاني، الإعفاء الكلي الممنوح لهذه السيارات من الضريبة الخصوصية السنوية، معتبرا أن المعطيات التقنية والبيئية لا تبرر هذا الامتياز المطلق.

ويقول لعسري إن المشرع الضريبي كان عليه إقرار نظام تحفيزي جزئي يوازن بين تشجيع السياسات البيئية والحفاظ على العدالة الجبائية، خاصة أن السيارات الهجينة أغلى بطبيعتها وتدر ضرائب أكبر عند شرائها، حيث تصل الضريبة على القيمة المضافة إلى ما بين 10 و20 ألف درهم إضافية لكل مركبة.

ويؤكد الخبير أن “النص الضريبي، كباقي النصوص القانونية، يحتاج إلى مبررات واقعية سياسية واقتصادية واجتماعية، لأنه أداة لتوجيه الاستهلاك والاستثمار، وليس مجرد تنازل مالي”.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا